الرئيسيةبحث

السياسة الجديدة ( New Deal )



مشروعات الصفقات الجديدة. مشروع بناء هذا الشارع في مدينة نيويورك أعاد كثيرًا من العمال الأمريكيين العاطلين إلى العمل وساعد الولايات المتحدة على التخلص من الكساد العظيم.
السياسة الجديدة اسم أطلق على برنامج الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت ليُخرج الولايات المتحدة من الكساد العظيم الذي حدث في فترة ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي. إن برنامج السياسة الجديدة لم ينه الكساد، ولكنه خفف كثيراً من المعاناة الاقتصادية وأعطى الأمريكيين ثقة في النظام الديمقراطي في وقت كانت فيه الأمم التي ضربها الكساد قد تحولت إلى الدكتاتورية. استخدم روزفلت مصطلح السياسة الجديدة لأول مرة عندما قَبلَ ترشيح الحزب الديمقراطي له كرئيس في عام 1932م وتعهد أمامهم وأمام نفسه بتحقيق سياسة جديدة من أجل الشعب الأمريكي.

عندما أصبح روزفلت رئيسًا في مارس 1933م، كانت الأعمال متوقفة ويسيطر على الأمة شعور بالفزع. وكان انهيار سوق الأوراق المالية (البورصة) في أكتوبر 1929م، قد قضى على رخاء معظم الأمريكيين الذين كانوا يتمتعون به خلال فترة عشرينيات القرن العشرين الميلادي. وازداد الكساد سوءًا خلال فترة ثلاثينيات القرن العشرين الميلادي. فقد أقفلت المصارف والأعمال الصغيرة والمصانع أبوابها، وفقد العمال بيوتهم وخسر المزارعون مزارعهم لأنهم لم يستطيعوا دفع أقساط الرهن. وقد كان ما بين 12 و15 مليون أمريكي ـ تقريبًا ربع الشعب في ذلك الوقت ـ بلا عمل.

وفي خطابه الافتتاحي، عبّر روزفلت عن ثقته في أن الشعب الأمريكي بإمكانه حل مشاكله ¸وأن الشيء الوحيد الذي يجب أن نخافه هو الخوف نفسه· كما قال.

المائة يوم

دعا روزفلت الكونجرس في 5 مارس 1933م لاجتماع خاص من 9 مارس إلى 16 يونيو، أجاز فيه الكونجرس سلسلة من القوانين المهمة كانت تهدف إلى الإسراع في عملية الإنعاش الاقتصادي عن طريق تقديم المساعدة لضحايا الكساد وإصلاح الممارسات المالية والأعمال والزراعة والصناعة. وقد أجيزت معظم القوانين بسرعة وبمعارضة ضئيلة، ولم يسبق أن أجاز الكونجرس، مثل ذلك العدد الكبير من القوانين وبتلك السرعة. وقد عرفت حقبة الاجتماعات تلك باسم المائة يوم.

لم تكن البرامج والسياسات التي شكلت السياسة الجديدة عمل رجل واحد. بعضها كان من آراء روزفلت وبعضها الآخر اقترحته المجموعة الاستشارية وهي مجموعة من مستشاري الرئيس غير الرسميين. كما اقترح قادة الكونجرس جزءًا آخر منها، وقد تناقضت بعض المشاريع فيما بينها داخل هذه الخطة. فعلى سبيل المثال، خفض قانون الاقتصاد مرتبات الموظفين الفيدراليين، بينما زادت إدارة المشروعات العامة الإنفاق الحكومي. ولكن روزفلت كان مستعدًا للتجريب واختبار أفكار مجموعة ثم مجموعة أخرى.

مساعدة المدخرين والمستثمرين:

كان هدف روزفلت الأول هو إنهاء أزمة المصارف. فقد تسببت موجة من إفلاسات المصارف في فبراير في إخافة الجمهور، فاندفع المودعون لسحب نقودهم قبل فشل المصارف، مما دفع روزفلت إلى إعلان عطلة المصارف، فأقفلت كل المصارف يوم 6 مارس. وفي يوم 9 مارس أجاز الكونجرس قانون طوارئ المصارف. وقد سمح القانون الجديد لمفتشي الحكومة بتفتيش المصارف ومراقبة سجلاتها والسماح فقط بإعادة فتح تلك المصارف التي لها ظروف مالية قوية. وفي غضون أيام قلائل أعيد فتح نصف مصارف البلد. تلك المصارف كان لديها 90% من جملة الودائع. وقد كان لهذا الإجراء أثر كبير في إنهاء فزع الناس.

وقد وفَّر قانون قلاس ستيجل للمصارف في يناير 1933م المزيد من الحماية للمستثمرين. فقد أعطى مجلس الاحتياطي الفيدرالي المزيد من القوة لتنظيم القروض التي تقدمها المصارف، وأنشأ المؤسسة الفيدرالية لتأمين الودائع المصرفية التي أمنت على الودائع إلى 2,500 دولار أمريكي، وفيما بعد إلى 5,000 دولار.

كان قانون السندات المالية في عام 1933م ـ الذي يسمى أيضًا قانون الحقيقة في السندات المالية ـ يطلب من المؤسسات التي تصدر اسهمًا جديدة أن تعطي المستثمرين معلومات مالية كاملة ودقيقة. وأنشأ الكونجرس مجلس السندات المالية والبورصة في عام 1934م لتنظيم بيع الأوراق وللحد من الممارسات غير العادية في السوق.

مساعدة المزارعين:

حاولت إدارة الإصلاح الزراعي التي أنشئت في عام 1933م رفع أسعار المنتجات الزراعية عن طريق تحديد الإنتاج. فقد استخدمت تلك الادارة الرصيد الذي جمع عن طريق ضريبة على مُصنعي الحاصلات الزراعية لتعويض المزارعين عن عدم إنتاجهم الكميات السابقة. وقد حد المزارعون من إنتاجهم عن طريق عدم زراعة جزء من أراضيهم. زادت تلك الخطة دخول المزارعين، ولكن النقاد قالوا: إن المزارعين يجب ألا يقللوا إنتاج الغذاء والقطن في وقت أصبح فيه الناس جوعى ويحتاجون إلى ملابس. وقد أعلنت المحكمة العليا في الولايات المتحدة عام 1936م، أن إدارة الإصلاح الزراعي غير دستورية. لذا أصبحت الحكومة تدفع للمزارعين مقابل الأراضي الخالية من الزراعة كجزء من برامج جديدة للحفاظ على التربة.

مساعدة الصناعة والعمال:

كان قانون إنعاش الصناعة الوطنية في يونيو 1933م واحدًا من أهم القوانين الجديدة، فقد أنشأ هذا القانون إدارة إنعاش الصناعة الوطنية لتنفيذ القوانين المتعلقة بالممارسات العادلة للأعمال والصناعة. وقد حذر ممثلون عن المؤسسات داخل كل صناعة من تلك القوانين.

لقد وضعت القوانين الصناعية الحد الأدنى للأجور والساعات القصوى للعمل، ودعمت حقوق العمال في الانضمام إلى النقابات. وساعدت هذه القوانين الأعمال، فقد سمحت للمؤسسات الأعضاء فيها بأن تضع مستويات للجودة وأن تحدد السعر الأدنى الذي يدفع للسلعة.

مساعدة المحتاجين:

دشنت فرق المحافظة المدنية برنامج الاتفاق الجديد للإغاثة. وكانت تلك الفرق تلحق شباباً من الأسر المحتاجة في العمل بمشاريع المحافظة، مثل زراعة الأشجار وبناء الخزانات، وقد وفرت إدارة الإغاثة الفيدرالية الطارئة المال للولايات لصرفه على المحتاجين. أوجدت إدارة الأشغال العامة الوظائف لأعداد كبيرة من السكان من خلال مشروعاتها في بناء آلاف المدارس ودور المحاكم والجسور والسدود ومشروعات عامة أخرى مفيدة. وبدورها وفرت مؤسسة القروض المالية لأصحاب المنازل قروضًا بأسعار فائدة منخفضة للأشخاص الذين يكافحون من أجل دفع رهوناتهم. أنشأت سلطة مشروع وادي تنيسي العديد من السدود للسيطرة على الفيضانات، ولتوفير الكهرباء لسكان الوادي.

المائة يوم الثانية

وافق الكونجرس على عدة برامج مهمة للمساعدات والإصلاح في 1935م، وأصبحت هذه القوانين قلب الإنجازات الدائمة للخطة الجديدة. فقد أجيزت معظم هذه القوانين الجديدة في الصيف، ويسمي بعض المؤرخين هذه الفترة المائة يوم الثانية. ومن بين أهم هذه الإجراءات الجديدة إدارة سير الأعمال وقانون علاقات العمل القومية وقانون الضمان الاجتماعي.

إدارة سير الأعمال:

وفرت هذه الإدارة الوظائف عن طريق إنشاء الطرق الرئيسية والشوارع والجسور والحدائق العامة ومشروعات عامة أخرى قصد منها أن تكون لها قيمة طويلة المدى.كذلك أوجدت عملاً للفنانين والكتاب والممثلين والموسيقيين، وقد وفَّرت عملاً لحوالي 8,5 مليون شخص.

قانون علاقات العمل القومية:

ضمن هذا القانون للعمال حق التنظيم في نقابات. وخلال السنوات القليلة التي تلته تمكن اتحاد العمال الأمريكي الفيدرالي واتحاد المنظمات الصناعية الجديدة من ضم الملايين إلى نقابات العمال.

قانون الــضمان الاجتماعي:

وفر معاشات أجور تقاعد كبار السن وتأمينات للعاطلين عن العمل، وكذلك فاقدي البصر والمعوقين وللأطفال المحتاجين.

الإجراءات الأخيرة

اقترح روزفلت اتفاقًا لزيادة عدد القضاة في المحكمة العليا في 1937م، وقد اتهمه النقاد بأنه كان يحاول ملء المحكمة بقضاة يتحيزون للخطة الجديدة. شقت خطة روزفلت الديمقراطيين وكلفته فقدان الدعم القوي في الكونجرس. فقد أجاز الكونجرس إجراءين فقط للإصلاح بعد ذلك. الأول كان قانون الإسكان عام 1937م الذي وفر مالاً للمزيد من مشروعات الإسكان الفيدرالية العامة. والثاني قانون مستويات العمل العادل عام 1938م الذي وضع حدًا أدنى للأجور بمبلغ 25 سنتًا للساعة، وحدًا أقصى لساعات العمل في الأسبوع بلغ 44 ساعة مع أجر إضافي للساعات الإضافية. منع هذا القانون أيضًا الأطفال تحت سن 16 سنة من العمل في المصانع أو خلال الساعات المدرسية. وقد اهتز الاقتصاد أواخر عام 1937م فانخفضت المنتجات الزراعية وزاد عدد العاطلين عن العمل من 5 مليون في سبتمبر 1937م إلى نحو 11 مليون في مايو 1938م. احتفظ الديمقراطيون بأغلبيتهم في كل من مجلسي الكونجرس في انتخابات عام 1938م، ولكن الجمهوريين استعادوا مقاعدهم لأول مرة منذ عام 1928م. وقد أجبرت المعارضة القوية في الكونجرس روزفلت على تحاشي إدخال المزيد من الإصلاحات، وسرعان ما أصبح مشغولاً بالتهديد المتزايد لألمانيا النازية.

نتائج الخطة الجديدة

يتفق معظم العلماء أن السياسة الجديدة خففت من المعاناة الاقتصادية ووفرت قدرًا كبيراً من الانتعاش، ولكن ثمانية ملايين أمريكي تقريباً ظلوا بلا عمل عام 1940م. إن الإنفاق الحربي على الحرب العالمية الثانية، لا السياسة الجديدة هو الذي أوجد الرخاء.

حاولت السياسة الجديدة استعادة الرخاء عن طريق الإنفاق، فقد أنفقت ملايين الدولارات لتوفير الوظائف للعاطلين، بحيث كلفت برامج الخطة الجديدة أكثر مما حصلت عليه الحكومة من الضرائب. وقد اقترضت الحكومة أكثر من حاجتها عن طريق بيع السندات، فازداد الدين الفيدرالي من 22,5 بليون دولار عام 1933م إلى 40,5 بليون دولار أمريكي عام 1939م.

أحدثت السياسة الجديدة تغيرات سياسية مهمة. فالحزب الديمقراطي الذي كان بشكل عام حزب أقلية منذ الحرب الأهلية، أصبح أكبر حزب سياسي. وقد انتقلت قوته الأساسية من الجنوب الريفي إلى الشمال الحضري. وأصبح هناك صوت أقوى للمهاجرين وأعضاء النقابات ومثقفي المدن ودعاة الإصلاح في قرارات الحزب.

كما يتفق كثير من العلماء على أن السياسة الجديدة حافظت على مقومات نظام الأعمال الحرة في أمريكا. واستمرت الأرباح والمنافسة تؤديان دورًا رئيسيًا في النظام. ولكن البرنامج أضاف خصائص جديدة، فقد تولت الحكومة الفيدرالية دور الضمان الاقتصادي للناس والنمو الاقتصادي للأمة. وبعد الخطة الجديدة زاد دور الحكومة في المصارف والرفاهية العامة باستمرار. كذلك أصبح التنظيم العمالي قوة مهمة في الشؤون القومية.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية