لوط عليه السلام ( Lot )
لوط عليه السلام هو نبي الله لوط بن هاران بن تارح ـ وهو آزر ـ ولوط ابن أخي إبراهيم الخليل عليهما السلام، فإبراهيم وهاران وناحور إخوة.
نزل لوط بمدينة سدوم، وقد اختلفت أقوال المؤرخين المسلمين في موقعها. وذكر ابن الأثير أن مدائن قوم لوط خمس: سدوم، وصبعة وعمرة (أو عمورة) ودوما، وصعوة. وسدوم أكبرها.
آمن لوط بدعوة عمّه إبراهيم ـ أبي الأنبياء ـ عليهما السلام، كما قال تعالى: ﴿ فآمن له لوط وقال إني مهاجر إلى ربي إنه هو العزيز الحكيم﴾ العنكبوت: 26 . وهاجر معه من أرض بابل (العراق) وتبعه في جميع أسفاره، فنزل إبراهيم فلسطين، وأنزل لوطًا الأردن، ثم بعثه الله تعالى إلى أهل سدوم وماجاورها، وابتدأ دعوة أهلها بنهيهم عن الفساد والضلال الذي كان شائعًا بينهم، كما يفعل كل نبي مع قومه.
ذُكرت قصة لوط مع قومه عدة مرات في القرآن الكريم، ومحور القصة أنه نهى قومه عن الفاحشة المقيتة التي كانت سائدة بينهم، فهم يأتون الذكور دون الإناث، ويقطعون الطريق على السابلة (المرتحلون والتجار). كما ذُكرت قصة الملائكة الذين جاءوا لزيارة لوط تنفيذًا لأمر الله. وهناك روايتان للحادثة، إحداهما رواية قتادة وهي: ¸ثم مضت رسل الله تعالى نحو سدوم ؛ فلما انتهوا إليها لقوا لوطًا في أرض له يعمل فيها· قال قتادة راويًا عن حذيقة بن اليمان: ¸إن الله تعالى قال للملائكة لاتهلكوهم حتى يشهد عليهم لوط أربع شهادات، فأتوه فقالوا: إنا متضيفوك الليلة ؛ فانطلق بهم، فلما مشى ساعة التفت لهم، وقال: أوما بلغكم أمر هذه القرية؟ قالوا: وماأمرها؟ قال: أشهد بالله إنها لشرّ قرية في الأرض، وما أعلم على وجه الأرض أناسًا أخبث منهم، قال ذلك: أربع مرات، فدخلوا معه منزله، وعلم لوط أنه سيحتاج إلى المدافعة عن أضيافه، وخاف عليهم من قومه، فذلك قوله تعالى: ﴿ولما جاءت رُسلنا لوُطًا سيء بهم وضاق بهم ذرعًا وقال هذا يوم عصيب﴾ هود: 77 . ومايعلم بهم أحد إلا أهل بيت لوط، فخرجت امرأته، فأخبرت قومها بذلك وقالت: إن في بيت لوط رجالاً مارأيت مثلهم حُسْنًا قط. فجاءه قومه يهرعون إليه، فلما أتوه قال لهم لوط: ياقوم خافوا الله ولاتفضحون أمام أضيافي، ألا يوجد بينكم رجل رشيد الرأي والسلوك، قال تعالى: ﴿ وجاءه قومه يُهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال ياقوم هؤلاء بناتي هُنّ أطهر لكم فاتقوا الله ولاتخزونِ في ضيفي أليس منكم رجل رشيد¦قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حقّ وإنك لتعلم مانريد﴾ هود: 78، 79 .
وقد اختلف المفسرون في عرض لوط عليه السلام بناته على قومه، لكنهم اتّفقوا أنه عليه السلام ما أراد إلا أن يتزوجوهنّ على سنة الله: ﴿هُنّ أطهر لكم﴾ هود: 78. قال ابن كثير: أرشدهم إلى نسائهم، فإنّ النبي لأمته بمنزلة الوالد. وقيل: بل عرض ابنتيه عليهم للزواج. وأيًّا ماكان الأمر، فقد أراد وقاية ضيفه، وذلك غاية الكرم. فلما رأت الملائكة (وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل) مالقي لوط من الكرب والنصب والتعب بسببهم قالوا: ﴿ يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك﴾ هود: 81 . وذكروا أن جبريل عليه السلام خرج عليهم، فضرب وجوههم خفقة بطرف جناحه فطمست أعينهم، حتى قيل إنها غارت بالكلية ولم يبق لها محل ولاعين ولا أثر، فرجعوا يتحسسون مع الحيطان، ويتوعدون رسول الرحمن ويقولون إذا كان الغد كان لنا وله شأن! وقال الله تعالى: ﴿ ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر¦ ولقد صبَّحهم بكرة عذابٌ مستقر﴾ القمر: 37، 38 . ولذلك تقدمت الملائكة إلى لوط، عليه السلام، آمرين إيّاه بأن يسري هو وأهله من آخر الليل، ﴿ ولايلتفت منكم أحد﴾ هود: 81 . يعني عند سماع صوت العذاب إذا حل بقومه، وأمروه أن يسير في آخرهم كالساقة لهم. وقالوا له مبشرين بهلاك هؤلاء البغاة العتاة، الملعونين النظراء والأشباه الذين جعلهم الله سلفًا لكل غدّار أثيم: ﴿ إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب﴾ هود: 81 ، فلما خلصوا من بلادهم (لوط وابنتاه) وطلعت الشمس فكانت عند شروقها، جاءهم من أمر الله مالايرد، ومن البأس الشديد مالايمكن أن يصد. قال الله تعالى: ﴿ فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود¦ مسوَّمة عند ربك وماهي من الظالمين ببعيد﴾ هود: 82، 83 . وقالوا: اقتلعهن جبريل بطرف جناحه من قرارهن ـ وكن خمس مدن وقيل سبع مدن ـ بمن فيهن من الأمم، فقالوا إنهم كانوا أربعمائة نسمة، وقيل أربعة آلاف نسمة، ومامعهم من الحيوانات، ومايتبع تلك المدن من الأراضي والأماكن قلبها عليهم، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل مسومة أي معلمة مكتوب على كل حجر اسم صاحبه الذي يهبط عليه فيدمغه.
ويقول الله تبارك وتعالى: ﴿ ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ماسبقكم بها من أحد من العالمين¦ إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون¦وماكان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون¦ فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين¦وأمطرنا عليهم مطرًا، ف★ تَصَفح كيف كان عاقبة المجرمين﴾ الأعراف: 80ـ 84 . ويقال إن امرأة لوط مكثت مع قومها، ويقال إنها خرجت مع زوجها وبنتيها، ولكنها لما سمعت الصيحة وسقوط البلدة، التفتت إلى قومها وخالفت أمر ربها قديمًا وحديثًا، وقالت: واقوماه، فسقط عليها حجر فدمغها وألحقها بقومها ؛ إذ كانت على دينهم، وكانت عينًا لهم على من يكون عند لوط من الضيفان. كما قال تعالى: ﴿ ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين، فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئًا، وقيل ادخلا النار مع الداخلين﴾ التحريم: 10 . أي خانتاهما في الدين فلم يتبعاهما فيه. وليس المراد أنهما كانتا على فاحشة ـ حاشَا وكلا فإن الله لايكتب على نبي قط أن تبغي امرأته، كما قال ابن عباس وغيره من أئمة السلف والخلف: مابغت امرأة نبي قط.