الهواء السائل ( Liquid air )
معظم الهواء السائل يتم تصنيعه بعملية كلود. في هذه العملية تقوم ضاغطة هواء بزيادة ضغط الهواء. ثم يتم تبريد الهواء الذي ارتفعت حرارته من جراء الضغط تبريدًا خفيفًا في جهاز مبادل الحرارة. بعد ذلك يدخل إلى محركات التمدد التي تخفض من درجة حرارته إلى حد كبير. ويتحول بعض الهواء إلى سائل أثناء تدفقه عبر صمام التمدد. |
يَسْتَخدم العلماءُ الهواء السائل في الأبحاث الخاصة بعلم البرودة ـ أو علم التقريس ـ وهو دراسة درجات الحرارة من -100°م فما دونها.
وُيعتبر الهواء السائل من السوائل التقريسية، نظرًا لدرجة حرارته المنخفضة جدًا، كما يعتبر مصدرًا رئيسيًا للنيتروجين والأكسجين والغازات الأخرى في صورها السائلة. ويستخدم العلماء النيتروجين السائل في الأبحاث الخاصة بعلوم الأحياء والكيمياء والفيزياء.
كما أنه يُستخدم أيضًا في تبريد الأغذية وتصنيعها. أما الأكسجين السائل، فيُستخدم في أنواع الوقود المدمجة عالية الطاقة التي تستخدم في المحركات الصاروخية الخاصة بمركبات الفضاء.
خواصه:
يختلف تأثير الهواء السائل على المواد باختلاف أنواعها. فعلى سبيل المثال، يصبح الزئبق السائل صلبًا كالفولاذ إذا صُبَّ عليه الهواء السائل.وإذا غمرنا كرة تنس بالهواء السائل ثم قذفناها نجدها تنشطر. كما أن الجرس المصنوع من الرصاص ـ والذي يصدر عنه عادة صوتٌُ غير رنان ـ يصدر صوتًا رنانًا لبعض الوقت بعد تعرضه للهواء السائل.
ويستعين العلماء بالهواء السائل لدراسة بعض المواد. فهناك مواد ـ مثل الحديد واللدائن ـ تصبح هشَّة لبعض الوقت بعد غمسها في الهواء السائل. بينما يصبح النحاس الأحمر والنحاس الأصفر أكثر صلابة بعد غمرهما في الهواء السائل. ويؤدي تعرض المواد الفلزية للهواء السائل إلى زيادة قدرتها على توصيل الكهرباء، وزيادة قوة أنواع معينة من المغانط.
ويستخدم العلماء مقاييس حرارة (ترمومترات) خاصة لقياس درجة حرارة الهواء السائل، حيث لا يمكن استخدام مقاييس الحرارة المستخدم فيها الزئبق أو الكحول، إذ إن الزئبق والكحول يتجمدان عند درجات حرارة أعلى بكثير من درجة الهواء السائل. ويُعتبر ترمومتر المقاومة البلاتيني أدق مقاييس حرارة الهواء السائل وأكثرها انتشارًا. وهو يقيس درجة الحرارة من خلال تحديد تأثيرها على المقاومة الكهربائية للبلاتين، حيث يكون البلاتين مُوصِّلاً جيدًا أو رديئًا للكهرباء وفقًا لدرجة حرارته. وهناك نوع آخر من مقاييس الحرارة الخاصة، هو ترمومتر الغاز ثابت الحجم. وهو يقيس تأثير درجة الحرارة على ضغط كمية من الغاز تم تثبيت حجمها. وتُستخدَم في هذه المقاييس غازات مثل الهيليوم أو النيون لقياس درجة حرارة الهواء السائل، لأن هذه الغازات تتحول إلى سائل عند درجات حرارة أقل من تلك التي يتحول عندها الهواء إلى سائل.
ويمكن فصل النيتروجين والأكسجين ـ وهما أهم عنصرين في الهواء ـ واستخدامهما في صورتهما السائلة، عن طريق تقطير الهواء السائل. فعند تسخين الهواء السائل، يتحول النيتروجين إلى غاز قبل الأكسجين،، لأن نقطة غليان النيتروجين أقل من نقطة غليان الأكسجين. وبعد فصل النيتروجين، تكون غالبية المادة المتبقية هي الأكسجين السائل. و من الممكن أن تؤدي نسبة الأكسجين الكبيرة المتبقية في السائل غير المُقَطَّر إلى حدوث انفجار إذا ما تعرض هذا السائل لمادة مشتعلة.
تحضير الهواء السائل:
تقوم عملية إعداد الهواء السائل على أساس الحقيقة القائلة بأن الهواء المضغوط يصبح أكثر برودة عندما يتمدد. وقد قام اثنان من علماء الفيزياء البريطانيين ـ هما جيمس بريسكوت جول ووليم تومسون ـ بشرح هذا التأثير على نحو تفصيلي عام 1853م، حتى صار يُعرَف فيما بعد بتأثير جول ـ تومسون. وكان عالم الفيزياء الفرنسي لويس ـ بول كايلتت هو أول من أسال الهواء عام 1877م.وفي عام 1895م، قام الكيميائي الألماني كارل فون ليند باختراع طريقة تجارية لإنتاج الهواء السائل، تعتمد على تأثير جول ـ تومسون. وما زالت طريقة ليند تُستخدم حتى اليوم، ولكن بعد إدخال العديد من التعديلات عليها. وفي هذه الطريقة تقوم الضواغط برفع ضغط الهواء الموجود في حجرة معينة، إلى حوالي 210 كجم لكل سم²، مما يؤدي إلى تسخين الهواء. وهنا يتم تخفيض درجة حرارة الهواء المضغوط قبل إسالته عن طريق غلاف مائي يحيط بالضاغطة، بالإضافة إلى جهاز يسمى مبادل الحرارة.
ويمكن تحويل الهواء إلى سائل بإحدى طريقتين. ففي الطريقة الأولى ـ وتسمى تمدد جول ـ تومسون ـ يتدفق الهواء المضغوط عبر سلسلة من الصمامات الخانقة إلى حجرات يزداد حجمها اتساعًا بشكل تدريجي، فينخفض ضغط الهواء ودرجة حرارته مع تمدد الهواء عند انتقاله من حجرة إلى التي تليها. وفي الحجرة الأخيرة يكون بعض الهواء قد برد إلى درجة تسمح له بالتكثُّف والتحول إلى سائل. ويتم تمرير الهواء البارد المنبعث من هذه الغرفة حول الحجرات الأخرى ليساعد على تبريد الهواء الذي مازال في مرحلة الإسالة.
وفي عام 1902م اخترع المهندس الفرنسي جورج كلود الطريقة الثانية لإسالة الهواء. وهي تشبه طريقة جول ـ تومسون، إلا أنها أكثر كفاءة منها، حيث تستفيد من الهواء المتمدد في تنفيذ إحدى عملياتها. ففي طريقة كلود، يدخل الهواء في حجرة معينة ويدفع مكبسًا أثناء تمدده. ومع تحرك المكبس يزداد حجم الغرفة، مما يؤدي إلى انخفاض ضغط الهواء بها ودرجة حرارته. ويستمر تمرير الهواء في سلسلة من هذه الحجرات المزودة بمكابس ـ والتي تسمى محركات التمدُّد، حتى يصبح سائلاً.
وهناك إناء خاص يستَخدم لحماية الهواء السائل من الحرارة والتبخُّر يُسمى قارورة ديوار أو إناء ديوار. وإناء ديوار عبارة عن طبقتين من الزجاج، بينهما فراغ لعزل محتويات الإناء. وقد يُطلَى هذا الإناء بطبقة من الفضة لتعكس الحرارة. أما الكميات الضخمة من الهواء السائل المخصصة للأغراض الصناعية، فتحفظ في خزانات ضخمة معزولة.