الرئيسيةبحث

اللغة، علم ( Linguistics )



اللغة، علم. علم اللغة هو الدراسة العلمية للغة. ويحاول هذا العلم الإجابة عن أسئلة حول اللغة مثل: كيف تتغير اللغات ولماذا يكون للمفردات معان معيَّنة؟ ويبحث علماء اللغة في اللغات التي يتكلّمونها وتلك التي لا يتكلّمونها على حد سواء.

وعندما يدرس علماء اللغة لغة حديثة فإنهم يحللون كلام واحد أو أكثر من المتحدثين الأصليّين بتلك اللغة، ويطلقون علي مثل هذا الشخص مُخْبرًا لغويًا (راوية).

إن كثيرًا من اللغات ليست لها أنظمة كتابية، ولذا يتجه علماء اللغة في الغالب إلى استخدام رموز تسمّى الألفباء الصوتية لتدوين الأصوات الكلامّية للمخبر اللغوي. كما يدرس علماء اللغة أيضا اللغات الميتة لتتبُّع نشوء اللغات الحديثة.

يقوم علماء اللغة بجمع المادة اللغوية وتكوين النظريات واختبارها، ومن ثم يتوصلون إلى حقائق حول اللغة. ويعتقد هؤلاء الاختصاصيُّون أنهم لايعرفون سوى القليل جدًا حتى عن أكثر اللغات المألوفة لديهم، ويحدوهم الأمل في تدوين ودراسة اللغات غير المألوفة قبل انقراضها. وهناك مجالان رئيسيّان لعلم اللغة هما علم اللغة الوصفي وعلم اللغة المقارن.

علم اللغة الوصفي

يتناول علم اللغة الوصفي بالبحث اللغة المستخدمة في مكان واحد وفترة زمنية محدَّدة. ويدعى هذا العلم أحيانًا بـ علم اللغة التزامني. ويحاول عالم اللغة المتخصَّص في هذا المجال وصف اللغة بالطريقة التي يكتسبها الأطفال في مجتمع ما ويستخدمها الكبار هناك. وتركز مثل هذه الدراسة على قدرة هؤلاء الناس على تكلُّم لغتهم وفهمها.

إنّ علماء اللغة بالطبع يدركون أنَّ الناس دائمًا يرتكبون الأخطاء عندما يتكلَّمون. وكمثال توضيحي نجد أنه عندما يجري عالم اللغة أبحاثًا حول اللغة العربية فلربَّما يسجِّل الجملة التالية كما تفوَّه بها عدد من المخبرين اللغوييِّن: حمل الأولاد رايات حمراء، ومع ذلك، فإن بعض أولئك المُخْبرين اللغويِّين يدركون أنه كان يجب عليهم ان يقولوا: حمل الأولاد رايات حُمْرًا. يستخدم علماء اللغة مصطلح الأداء اللغوي للدلالة على ما يقوله الناس بالفعل.

تكوين قواعد اللغة:

يقوم عالم اللغة الوصفي بتدوين الكلمات والجمل التي يقولها المخبرون اللغويُّون، ويستنبط من هذا السجل قواعد تلك اللغة ؛ أي وصفًا لقدرة الناس على استخدام لغتهم الأصلية. وتدعى هذه القدرة بالقدرة اللغوية. ويعتمد عالم اللغة دائمًا على حصافة المتحدثين الأصليين للغة ليساعده ذلك على استنباط قواعدها.

إنّ لجميع اللغات جانبًا إبداعيًا يتمثل في قدرة المتكلمين الأصليِّين للغة على قول وفهم جمل لم يصادفوها مطلقًا من قبل. كما أنَّ عدد الجمل في أية لغة لا يحصى. وبالطبع، فإنه لا يمكن وصف لغة ما بوضع قائمة بالجمل المستخدمة فيها. وعوضًا عن ذلك، يستنبط عالم اللغة قواعد توضّح، بشكل تدريجي، الكيفيّة التي يمكن بها تكوين أي شكل من أشكال الجملة في اللغة قيد البحث.

وتؤدي قواعد اللغة وظيفتها بأن تبين لنا كيف يمكن تكوين جمل جديدة بالاستناد إلى جمل سابقة لها. فعلى سبيل المثال، جملة أحصى عالم فلك عدد النجوم يمكن أن تحل محل كلمة ذلك في جملة: اعتقدت الملكة ذلك ويؤدي هذا الإحلال إلى تكوين جملة جديدة تتضمن قدرًا أكبر من المعلومات وهي: اعتقدت الملكة أن عالم الفلك أحصى عدد النجوم.

ويمكن استخدام قواعد اللغة بطريقة معيارية أو وصفية وتحاول القواعد اللغوية المعيارية أن تبين للناس كيف يجب عليهم أن يستخدموا اللغة. وكمثال على ذلك، تقترح القواعد المعيارية استخدام جملة: ليست لديّ أي نقود بدلاً من جملة لا أملك ليس لدي نقود ومع ذلك، فإن القواعد النحوية للغة ما قد لا تعكس استخدام الناس الفعلي لتلك اللغة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الناس يعبّرون دائمًا عما يقصدونه بشكل واضح حتى وإن اتبعوا قواعد مختلفة.

عناصر قواعد اللغة:

تتكون قواعد اللغة من ثلاثة عناصر هي:1ـ العنصر الصوتي، و2ـ العنصر الدلالي، و3ـ العنصر النحوي النظمي.

العنصر الصوتي يتألف من القواعد التي تبين كيفية نطق الكلمات والجمل. ويمكن أن يختلف النظام الصوتي للغة ما اختلافًا كبيرًا عن النظام الصوتي للغة أخرى. فعلى سبيل المثال، لايميّز النظام الصوتي للغة الأسبانية نطق الصوتين الصائتين العربيين في الكلمتين (زِيرْ) و (زِرْ). من ناحية أخرى، تميّز اللغة التايلندية نطق الصوت (T) في (steam) و(team) بينما لا تفعل الإنجليزية ذلك.

العنصر الدِّلالي يبين ماذا تعني الجمل.فهو يبين ما إذا كان معنى جملة ما مماثلاً لمعنى جملة أخرى، فعلى سبيل المثال، إن جملة: تمكن الطالب من النجاح في الاختبار تعني ضمنيِّا: نجح الطالب في الاختبار، لكن جملة مثل: حاول الطالب أن ينجح في الاختبار لا تعني ضمنيًّا: نجح الطالب في الاختبار.

العنصر النحوي النظمي يبيِّن العلاقة بين معنى جملة ونظم الكلمات في تلك الجملة. كما يبين هذا العنصر أنه يمكن ترتيب الكلمات في جملة بطريقتين مختلفتين ويظل معنى الجملة واحدًا. وكمثال على ذلك، نجد أن الجملتين التاليتين تعنيان الشيء ذاته: أعطت المضيفة الشطيرة لأطول فتاة والمضيفة أعطت أطول فتاة الشطيرة. ويقول علماء اللغة إن الجملة الواحدة هي إعادة صياغة للأخرى.

علم اللغة المقارن

إن علم اللغة المقارن هو دراسة اللغة من حيث الاختلاف في استخدامها من متكلم إلى آخر وباختلاف الأمكنة والأزمنة. يطلق على هذا المجال أحيانًا علم اللغة التاريخي.

يحاول بعض الباحثين المتخصصين في علم اللغة المقارن صياغة استنتاجات صحيحة عالميًا حول بنية اللغة والتغير اللغوي. ويشكل البحث في تصنيف اللغات على أساس نوعها مجالاً للدراسة قائمًا بذاته.

ويسعى الباحثون المتخصصون في علم اللغة المقارن للتمكُّن من تبيان كيف نشأت اللغة في المقام الأول، ووصف الظروف التي أدت إلى نشوئها. لكن السجلات المكتوبة تعتبر حديثة نسبيًا لأن الناس استخدموا أنظمة لكتابة الكلمات منذ حوالي 5000 سنة فقط، بينما نجد أنهم استخدموا اللغات المنطوقة منذ فترة أطول. وبقدر ما يستطيع علماء اللغة تبيانه، فإن لجميع ثقافات هذا العصر لغات متساوية في التعقيد. ولكل هذه الأسباب، فإننا لانعرف أي شيء تقريبًا حول أصل اللغة.

يستخدم الباحثون المتخصصون في علم اللغة المقارن طريقتين رئيسيتين في دراستهم للغة هما إعادة التركيب اللغوي الداخلي، و إعادة التركيب اللغوي المقارن.

إعادة التركيب اللغوي الداخلي:

تنطوي على استخدام مرحلة من مراحل نشوء لغة ما لتوضيح خصائص مرحلة سابقة لها، أو مضاهاة كلمة أو صيغة في لغة ما بنظيراتها في اللغة ذاتها ؛ أي بالبينات الداخلية. ففي العربية، على سبيل المثال، نجد أن نمط الأفعال المعتل أولها المثال هو: وَسَمَ ـ يَسِمُ ـ سِمْ ـ وَعَدَ ـ يَعِدُ ـ عِدْ. لذا يمكن افتراضًا أن نقيس على ما تقدم فنقول: وَصَفَ ـ يَصِفُ ـ صِفْ.

إعادة التركيب اللغوي المقارن:

طريقة يستخدم فيها عالم اللغة عدة لغات متشابهة لإعادة تركيب لغة افتراضية تدعى اللغة البدائية ويفترض عالم اللغة أن اللغة البُدائية هي الأصل المشترك للغات التي جرت إعادة تركيب تلك اللغة منها.

فربما يقارن عالم اللغة بعض الكلمات، كالضمائر في اللغة العربية الجنوبية، ومنها ضمائر التثنية في اللغتين السبئية والمعينية باللغة العربية الشمالية (الفصحى). أو يقارن بعض الضمائر الفينيقية كضمير المخاطبات والغائبات بنظائرها في اللغات السامية الشمالية الغربية الأخرى كالآرامية والعبرية.

يمكن لعالم اللغة أن يفترض أن لغتين كالإغريقية (اليونانية) واللاتينية، على سبيل المثال، تحتويان على الأصوات الصامتة للغة البدائية. كما يستخلص أيضًا أن اللغة الإنجليزية قد خضعت لتحول صوتي استبدلت فيه بعض الأصوات الصامتة بأخرى بصورة منتظمة. ويعتبر هذا التحول الصوتي إحدى الخصائص التي تتسم بها اللغات الجرمانية ومنها الإنجليزية والألمانية والهولندية.

علم اللغة ومجالات الدراسة الأخرى

يتناول كثير من علماء اللغة بحث جوانب معينة من اللغة تتصل بمجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، يبحث علماء اللغة الأنثروبولجيون التأثيرات المتبادلة بين اللغة والعناصر الأخرى للثقافة. ويحاول علماء اللغة الاجتماعيون معرفة كيف تتغير استخدامات اللغة وفقا للاختلافات في العمر والجنس والمكانة الاقتصادية والاجتماعية. أما علماء اللغة النفسيون فيسعون لمعرفة السمات العامة للطرق التي يكتسب بها الناس اللغة ويستخدمونها. كما يقومون أيضًا بدراسة الأمراض والإصابات التي تؤثر في قدرة الفرد على استخدام اللغة. ويهتم المتخصصون في علم اللغة الرياضي بالعلاقة بين فئات البشر واللغات الاصطناعية المستخدمة في برمجة الكمبيوتر. أما المتخصصون في علم اللغة التطبيقي فيحاولون استخدام المبادئ اللغوية لتحسين تعليم اللغات الأجنبية.

نبذة تاريخية

علم اللغة عند العرب:

كان العرب سباقين في التصنيف في علم اللغة، وبدأوا التصنيف في هذا العلم منذ أواخر القرن الأول الهجري، (السابع للميلاد). وقد انصب تصنيفهم في الحقبة الأولى على علم المعاجم التي تشرح معاني الألفاظ المشكلة من غير تبويب لها. فقد كان ترتيب المادة اللغوية آنذاك بحسب الدلالة وليس بحسب الموضوعات. ومن أبرز اللغويين العرب الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأشهر مصنفاته في اللغة كتاب العين، وأبو عمرو الشيباني وأشهر كتبه كتاب الجيم، وابن جنّي وكتابه الخصائص، وابن فارس وكتابه كتاب الصاحبي، وكتاب فقه اللغة وسر العربية للثعالبي.

المقارنون:

حاول الناس منذ القدم الإجابة عن كثير من الأسئلة المثارة حول اللغة. بدأ المقارنون دراستهم في نهاية القرن السابع عشر الميلادي. في ذلك الوقت، كان علم اللغة يدعى فقه اللغة المقارن، ولا يزال هذا المصطلح يستخدم أحيانًا في الوقت الحاضر. وقد لاحظ البريطانيون الذين كانوا يعيشون في الهند أن الهندستانية، وهي إحدى اللغات المستخدمة في الهند، تشبه اللغتين اللاتينية والإغريقية، واستنتجوا أن اللغات اللاتينية والإغريقية والسنسكريتية (الشكل القديم للهندستانية) نشأت جميعها من لغة واحدة أكثر قدمًا.

بدأ الباحثون بعد ذلك بدراسة اللغات الأوروبية الحديثة وإجراء المقارنات بينها، فاكتشفوا أن جميع اللغات الأوروبية تقريبًا، وكذا لغات فارس وأفغانستان وشمالي الهند نشأت من لغة واحدة توصف باللغة الأصل. وقد أطلق علماء اللغة على تلك اللغة البدائية اسم الهندو ـ أوروبية. لايوجد اليوم شيء مدون من الهندو ـ أوروبية، ولكن يعتقد بأنها كانت لغة الحديث المتداولة في أوروبا الشرقية قبل عام 2000 ق.م.

كان أبرز المقارنين القدماء باحثًا ألمانيًا اسمه جاكوب لودويج جريم، وهو أحد أخوين عُرفا بجمعهما لحكايات الجن. وقد بيّن جريم أن اللغتين الإنجليزية والألمانية واللغات الجرمانية الأخرى نشأت من الهندو ـ أوروبية، تمامًا مثلما نشأت منها اللغات الإغريقية واللاتينية والسنسكريتية. ووضع هذا الباحث قانون جِرِيم الذي يوضح العلاقة بين الأصوات الصامتة للغات الجرمانية والأصوات الصامتة للغات الهندوـ أوروبية الأخرى.

ومن المقارنين الآخرين فرانز بوب وأوجست شليخر وكلاهما ألماني. قارن بوب بين السنسكريتية واللغة الألمانية ولغات أخرى، بينما قام شليخر بتصنيف قواعد اللغة الهندوـ أوروبية ذاتها.

في العقد السابع من القرن التاسع عشر انبثقت عن المقارنين مجموعة من علماء اللغة أطلقوا على أنفسهم اسم النحويين المحدثين. وأعلنوا أن قانون جريم والقوانين اللغوية الأخرى كلها صحيحة دون استثناء، وزعموا أن الحالات الشاذة الظاهرة في تلك القوانين هي نتاج لعمل قوانين أخرى.

البنيويّة:

نشأت في أوائل القرن التاسع عشر، وقد نظر البنيويون إلى اللغات كأنظمة تتألف من أنماط من الأصوات والكلمات، وقاموا بدراسة هذه الأنماط بهدف معرفة شيء عن بنية اللغة. واعتقد البنيويون أن لكل لغة بنية متميزة لا يمكن مقارنتها ببنية أيَّة لغة أخرى. وأصبح عالم لغة سويسري اسمه فرديناند دو سوسير أول زعيم للبنيويين.

النظرية التوليدية للغة:

بدأت في الظهورخلال الخمسينيات من القرن العشرين على يد نعوم تشومسكي وهو عالم لغة أمريكي. ويعتقد علماء اللغة التوليديون أن نحو اللغة يتألف من قواعد معينة لتكوين عدد غير محدود من الجمل. لقد أثبت التوليديون أن بعض التصورات البنيوية للنحو غير ملائمة لوصف اللغات.

ووفقا لما يقوله علماء اللغة التوليديون، فإن أدوات نحوية تسمى التحويلات النحويّة هي التي تبين علاقة الجُمل بعضها ببعض. وتعتبر هذه التحويلات ضرورية لتقديم وصف كامل لكثير من الجمل. أما في النظرية البنيوية، فلم يكن لأدوات نحوية من هذا القبيل أيُّ دور يذكر. في أواخر السبعينيات من القرن العشرين، برزت خلافات كبيرة بين علماء اللغة التوليديين في إطار مساعيهم للوصول إلى تحديد خصائص عالمية وأساسية للغات.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية