حضارة وادي السند ( Indus Valley civilization )
الأختام التي صُنعت من الحجارة، ورُسمت عليها صور حيوانات. |
تطور حضارة وادي السند:
تطورت هذه الحضارة بوساطة جماعات كانت تمارس الزراعة والرعي، وعمل بعضها مع بعض بالتجارة. وفي حوالي عام 2500 ق.م، أصبحت هذه الجماعات أَكثر اتحادًا من حيث الثقافة، وبدأت بناء مدن خُططت بصورة دقيقة في بعض الأماكن. ونمت بمرور الوقت حضارة وادي السند لتشمل معظم ما يُسمَّى اليوم باكستان وأجزاء مما يعرف اليوم بأفغانستان، وشمال غربي الهند. وكان قلب تلك الحضارة الوادي الشاسع الذي كانت تغمره مياه فيضان نهري السند وهاكرا، أما نهر هاكرا، وقد عُرف أيضًا باسم نهر غاغار وساراسفاتي، فقد جفَّت مياهه الآن. وكانت مياه ذلك النهر تنساب إلى جهة الشرق من نهر السند وبمحاذاته، في المناطق التي تُعرف حاليًا بالهند والباكستان. وقد طورت تلك الحضارة نظامًا معياريًا للأوزان والمقاييس، ونظام الكتابة التصويرية وهو النظام الذي يعتمد على رسومات بسيطة تمثل الكلمات.وفي أوائل القرن التاسع عشر، أدرك العلماء البريطانيون أن الناس في تلك المنطقة اكتشفوا أعمالاً فنية قديمة مطمورة تحت رَوَابٍ ترابية ضخمة. ولكن لم يبدأ علماء الآثار الحفريات في تلك المناطق إلا في العشرينيات من القرن العشرين، ومن ثم اكتشفوا أنها احتوت على بقايا مدن شُيدت أثناء حضارة لم تكن معروفة من قبل. وتم العثور على المئات من مواقع تلك الآثار.
أما المنخفض الكبير المسوّر بالطوب فربما كان منطقة استحمام طقوسية عامة. |
ثقافة وادي السند:
خطط الناس الذين عاشوا فترة حضارة وادي السند لبناء المدن بدقة شديدة. وتم تشييد المباني على منصات من الطوب المصنوع من الطين وكانت تلك المنصات تحمي المباني من الفيضانات الموسمية. وشُيدت المنازل بالطوب المجفف بحرارة الشمس.وكان أغلب المنازل مكونًا من طابقين، كما كان لمعظمها مناطق للاستحمام مُدت بالمياه من بئر عامة مجاورة، أو من بئر محفورة فى المنزل. وبالنسبة للمجتمعات الكبيرة، كان كل منزل موصولاً بنظام صرف متقن يمتد على نطاق المدينة بأسرها. وشملت المنشآت الأخرى مباني كبيرة استُخدمت لخزن الحبوب ولأغراض أخرى.
ومارس أهل حضارة وادي السند التجارة بعضهم مع بعض على نطاق واسع. وتاجر سكان المدن مع جيرانهم من الجماعات الزراعية، ومع الجماعات التى سكنت في مناطق بعيدة، ومارست عمليات التعدين. وربما كانت البضائع التي تم الاتجار بها تشمل القطن، والأَخشاب، والحبوب، والحيوانات. أما فيما يتعلق بالمواصلات فقد استخدم الناس حيوانات الحمل، والمراكب النهرية، والمركبات التي تجرها الثيران. وتاجر أهل حضارة وادي السند كذلك مع أهل حضارات أخرى، بما في ذلك حضارات في أواسط أسيا، وبلاد ما بين النهرين، وعلى طول الخليج العربي.
وأنتج حرفيو حضارة وادي السند مجموعة منوعة من الأشياء المفيدة والزخرفية. واستخدموا النحاس، والبرونز، لصناعة الآلات، والمرايا، والجرار،و المقالي، واستُخدمت العظام والصدف والعاج لصناعة الحلي والأدوات وقطع الألعاب وغيرها من تطعيم الأثاثات.
كما نحت حرفيو حضارة وادي السند الأواني المنزلية وصنعوا الحُلِي من الفضة والذهب، كما صنعوها من الحجارة والخزف. وصنع نحاتو حضارة وادي السند أشكال الحيوانات والناس، من الطين وربما كان ذلك لأغراض تتعلق بالطقوس الدينية. وكما صنعوا تماثيل صغيرة من الأحجار الجيرية التي ربما كانت ممِّثلة للآلهة أو لأشخاص مُهمِّين.
وشملت الأشياء الأكثر غرابة التي وُجدت في مواقع مناطق حضارة وادي السند أختامًا مربعة الأشكال منحوتة من الأحجار، وعليها كتابة بالصور البسيطة ورسومات للحيوانات. كما وُجدت كتابات بالصور على الفخار وغيره من الأشياء التي صنعها حرفيو حضارة وادي السند. وعلى كل حال، فإن العلماء لم يستطيعوا فك رموز معنى الكتابات التي عثروا عليها. وكان أهل حضارة وادي السند يدفنون موتاهم في أغلب الأحيان في توابيت خشبية مع الأواني الفخارية والأوعية الأُخرى.
أُفُول حضارة وادي السِّنْد:
بدأت حضارة السند في التفكك بحلول عام 1700ق.م. وتحولت إلى ثقافات أصغر، سُميت ثقافات هارابا الأخيرة، ويطلق عليها أحيانًا اسم حضارة ما بعد ثقافات هارابا. وكان أحد أسباب تفكك تلك الحضارة، تقلبات أحوال مياه النهر. وشملت تلك التقلبات جفاف مياه نهر هاكرا، والتغيرات التي طرأت على مجرى نهر السند. وسببت هذه التغيرات اضطرابًا في الأنظمة الزراعية والاقتصادية، وغادر كثير من الناس المدن الواقعة فى منطقة وادي السند إلا أن بعض جوانب فنون حضارة وادي السند وزراعتها وربما نظامها الاجتماعي أيضًا قد استمرت في الثقافات الصغيرة التي أعقبتها. وأصبح بعض تلك الجوانب مدمجًا في الحضارة الموحدة التي بدأت تنمو على نطاق المنطقة في حوالي عام 600 ق.م.★ تَصَفح أيضًا: العالم، تاريخ ؛ النحت، فن.