الفيلق الأجنبي ( Foreign Legion )
الفيلق الأجنبي اسم لكتيبة من المحاربين في فرنسا، تمتاز بالقوة على مستوى العالم، ويُطلق عليها أيضًا اسم فيلق، وتُعد هذه الوحدة القوية فيلقًا من فيالق الحكومة الفرنسية. يتألف الفيلق الأجنبي أساسًا من المتطوعين غير الفرنسيين. إذ لا يُسمح للفرنسيين بالانضمام إلى الفيلق. غير أن بعض الفرنسيين، كان ينضم إليه بعد تزييف جنسيته. وأعمار جنود هذا الفيلق تتراوح بين 18 و40 سنة، ويخضعون لفحص بدني قاس، قبل أن يُقبلوا في الفيلق. أما الحد الأدنى للتطوع في الفيلق الأجنبي فهو خمس سنوات.
لا يكشف الفيلق الأجنبي سجلاته للناس عادة، ويحيط به دائمًا، جوٌّ من الغموض والمبالغة. ينضم بعض الرجال إلى الفيلق هربًا من عقوبة سياسية، أو بحثًا عن المغامرة، أو هربًا من عقوبة جنائية. إلا أن الفيلق لا يقبل مجرمين معروفين، ومايشاع عن أعداد المجرمين المنضمين إلى هذا الفيلق مُبالغ فيه، بل إن هذه الوحدات القوية تضم أشخاصًا مرموقين في المجتمع كالأطباء والمحامين والتجار وغيرهم. ومهما يكن الدافع للانضمام إلى الفيلق، فإن عناصر الفيلق الأجنبي يصنفون ضمن أفضل الجنود في العالم.
يطبق الفيلق نظامًا قاسيًا، ومع ذلك كان ينضم إليه الكثير من المتطوعين. فقد خدم في الفيلق حوالي 350,000 رجل، ويضم اليوم حوالي8,000 عضو. يقع المركز الرئيسي للفيلق في أوباني بفرنسا على أطراف مدينة مارسيليا.
أسس لويس فيليب الفيلق الأجنبي عام 1831م للعمل أساسًا خارج فرنسا. وكانت أهدافه الأساسية توفير ملاذ للمرتزقة الأجانب، العاملين في الحرس السويسري، والمساعدة في الاستيلاء على الجزائر. كان مجموع عدد أفراده 4,000 رجل، معظمهم من البولنديين والأسبان والإيطاليين والألمان، وكان هؤلاء ينتظمون في كتائب، على أساس قومي. إذ كانت كل كتيبة تتكلم لغتها الخاصة. أما عَلَم الفيلق الأجنبي، فكان، كما هو الآن، ثلاثي الألوان ويظهر عليه رسم للكرة الأرضية وعليها فرنسا وعبارة: مَلك فرنسا قائد الفيلق الأجنبي.
يشتهر زِيُّ جنود الفيلق الأجنبي بسراويله الحمراء الفضفاضة ومعاطفه الزرقاء، وهو نفسه لون زيّ الجيش الفرنسي. وبعد الحرب بقليل، اعتمد الفيلق الزيّ الكاكي الحالي. أما شارة الفيلق، فهي رمانة صغيرة، تُطلق منها سبعة ألسنة من اللهب. كانت معظم مساهمات الفيلق الأجنبي في الحروب الاستعمارية، لكنه شارك في حروب فرنسا الرئيسية أيضًا. حارب الفيلق مع أسبانيا في الحرب الكارلوسية (نسبة إلى الملك كارلوس) عام 1835م. لم يبق على قيد الحياة بعد تلك الحرب ـ التي دامت ثلاث سنوات ـ سوى 500 رجل عادوا إلى الجزائر.
خلال الخمسين سنة التي تلت الحرب، كان الفيلق منهمكًا في إخضاع شعوب الجزائر، والمغرب، وشمالي إفريقيا، وعقد صلح معها. فكان يحارب ويشيِّد الأبنية في نفس الوقت. فقد شيَّد أول الأبنية ذات الطراز الأوروبي في كل مدينة من مدن الشمال الإفريقي تقريبًا. وخلال تلك الخمسين سنة، قاتل الفيلق الأجنبي في أماكن أخرى وخضع لتغييرات تنظيمية.
في عام 1854م شارك فوجان من الفيلق في حروب القرم ضد روسيا وراح فيها حوالي 450 جنديًا من جنود الفيلق. وفي عام 1859م، قاتل فوْجان آخران ضد الأستراليين في إيطاليا، وذلك في محاولة لإحياء الإمبراطورية الفرنسية. ومات في تلك الحملة حوالي 150 من عناصر الفيلق. تهوّر نابليون الثالث في زج الفيلق الأجنبي في قضية ميئوس منها، فأرسله إلى المكسيك عام 1863م لدعم محاولة ماكسيميليان، للسيطرة على الحكم في البلاد. وفي تلك الحملة، التي استمرت حتى عام 1867م، فقد الفيلق حوالي 470 من رجاله.
قاتلت مجموعة من عناصر الفيلق بضراوة في معركة الكاميرون في المكسيك في 30 أبريل عام 1863م. وقد اعتبر ذلك التاريخ يومًا مقدّسًا، تحتفل به كل عام جميع القوات الخاصة (الفيالق) في العالم. حيث إنهم يعيدون ذكرى قصة الرجال الذين صمدوا في وجه هجوم ألفين من جنود العدو، ورفضوا الاستسلام. فمن بين آخر ستة من عناصر الفيلق، شنوا هجومًا أخيرًا بالحراب لم يَنْجُ منهم سوى ثلاثة، كما فقد الضابط الذي كان يقود المجموعة يده الخشبية. وتوجد هذه اليد الآن في قاعة الفيلق للشرف في أوباني بفرنسا.
عندما غزت ألمانيا فرنسا عام 1870م، أرسل الفيلق الأجنبي نجدة إلى البلد الأم. وقد كان استيلاؤهم على مدينة أورليان النقطة المضيئة الوحيدة في سجل المقاومة الفرنسية. ذهبت أربع كتائب من الفيلق إلى منطقة الهند الصينية، (وهي منطقة تتألف من كمبوديا ولاوس وفيتنام)، لحماية البلد من الانتفاضات المحلية في عام 1885م. وبعد إنجاز المهمة تم تنظيم الوحدات ضمن الفوج الخامس وتركزَّت في الهند الصينية بشكل دائم.
خلال الحرب العالمية الأولى التحق الفوجان (الأول والثاني) من الفيلق بأربعة أفواج أخرى للخدمة في فرنسا. وقاتل حوالي 45,000 من عناصر الفيلق في ألمانيا راح منهم حوالي 31,000 بين قتيل وجريح ومفقود. أصبح الفيلق، واحدًا من أكثر وحدات الجيش الفرنسي تقلدًا للأوسمة في الحرب العالمية الأولى.
وخلال الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م)، خدمت عناصر الفيلق في عدة مناطق من العالم. ففي البداية، حاربوا ضد اليابانيين، في الهند الصينية، وضد ألمانيا النازية، في فرنسا والنرويج. وبعد ذلك حاربت بعض الوحدات دفاعًا عن بلدة فيشي في فرنسا، قبل أن تحتلها القوات الألمانية، إلا أن معظم الوحدات انضمت إلى الجنرال شارل ديجول وخدمت في شمال إفريقيا، وفرنسا، وألمانيا.
بعد الحرب العالمية الثانية، أصبح الفيلق الأجنبي مرة أخرى ملاذًا للاجئين السياسيين، والعسكريين السابقين وخاصة من الألمان. وبعد أن جُهِزَ بمعدات عصرية، استُدْعِي الفيلق مرة أخرى للقتال في الهند الصينية، من عام 1946م وحتى 1954م، وكان قتاله هذه المرة ضد المتمردين الشيوعيين. أشعل الفيلق آخر مقاومة في ديان بيان فو، فيما يُعْرَف الآن بشمال غربي فيتنام.
انتقل مركز الفيلق الأجنبي من سيدي بلعباس في الجزائر، إلى أوباني بفرنسا ؛ وذلك بعد أن نالت الجزائر استقلالها عام 1962م. تحركت معظم وحدات الفيلق الأجنبي بمرور السنين خارج إفريقيا. في عام 1984م كانت إحدى وحدات الفيلق الأجنبي العاملة في لبنان هدفًا لهجمات المقاومة الإسلامية. واليوم تتمركز معظم وحداته في فرنسا وجزر المحيط الهادئ التي تحكمها فرنسا.