الرئيسيةبحث

البيزرة ( Falconry )



عينا الصقر تظلان مغطاتين بالقناع حتى يحين وقت إطلاقه.
البَيْزَرَةُ فن قَنْص الطيور والحيوانات بالجوارح. وتسمّى أحيانًا البَذْدرة. ويطلق على الشخص الذي يمارس هذا النوع من الفن اسم البازيار. والبيزرة كانت ولا تزال هواية شُغف بها الملوك والسلاطين والأمراء ووجهاء القوم سواء في الغرب أو الشرق. وقد بدأ هذا الفن على الأغلب في الشرق وانتقل منه إلى الغرب. فقد عرفها الصينيون والفرس منذ أكثر من 3,000 عام. وقد ترسَّخ لدى العرب في الماضي أن أول من مارس القنص بالبزاة والشواهين الروم، وأول من قنص بالصقور العرب، وأول من قنص بالعقبان أهل المغرب، ومن ثم جاء قولهم "البازي أعجمي، والصقر عربي والكلاب للصعاليك والفتيان". وقالوا إن أول من ضَرّى (درّب الجارح للصيد ليكون ضاريًا) الصقور من العرب الحارث بن معاوية بن ثور. وقد ورد في القرآن ما يشير إلى أن العرب كانوا يعرفون تعليم الجوارح قبل الإسلام، وذلك قوله تعالى: ﴿وما عَلَّمْتُم من الجوارح مُكَلِّبين﴾ المائدة: 4 ، (المُكلِّب. مؤدِّب الجوارح).


الاستعداد للقنص. رياضة القنص بالصقور تُمَارس على كل المستويات في الجزيرة العربية والمغرب العربي.
في الصورة مجموعة من القناصين قبل الانطلاق في رحلة القنص وأمامهم مجموعة من الجوارح.

الترويض:

يمر تدريب الجوارح بمراحل مختلفة تتطلب صبرًا ومثابرة وعادة ما يوضع قناع على رأس البازي أو الصقر المراد ترويضه، بحيث تبقى عيناه مغطاتين، وهذا من شأنه أن يجعل الجارح ساكنًا، ويُحمل على الساعد فترات طويلة متقطعة، ويضع البازيار على يده دُسْتُبانا (قفازًا من الجلد).

يوضع الطائر في غرفة نوافذها مغطاة ومغلقة حتى لا يدخل إليها النور عند شروق الشمس، ويمكن دفعه للبحث عن الطعام داخل الغرفة بمداعبة ساقيه أو مخالبه بريشه، ومن ثم يُقَرَّب الطعام له. وتستخدم صَفّارة يصفر البازيار فيها بصوت خافت أثناء ابتلاع الطائر لطعامه حتى يربط بين الصفارة ولحظة أكله فيتعود على ذلك بالمران. ويبقى في الغرفة عدة أيام يسمح للضوء بدخولها تدريجيًا، ويزاح الغطاء عن وجهه رويدًا رويدًا، ويمكن إخراجه بالليل من وقت لآخر، وإزاحة القناع عن وجهه ليعتاد على الأصوات والأضواء. مع الاستمرار في تعويده على صوت الصفارة المميز من فترة لأخرى وخلال هذه المدة، يتعلم الجارح القفز من الأرض إلى ساعد البازيار للحصول على الأكل. وفي كل مرة يعمل البازيار على تطويل المسافة بينه وبين الجارح إلى أن تصل إلى 500م. وتُعدُّ هذه العملية بمثابة خضوع لسيطرة المدرِّب. وقد توضع أجراس صغيرة أو أجهزة إرسال بالراديو على الطائر للاهتداء إلى مكانه إذا فقد. كما تُربط شرائط على أرجل البازي تحِدُّ من حركته عندما يكون في يد البازيار أو فوق الكَنْدرة (مجثمة الطائر).


أيقونة تكبير أنواع الجوارح

أنواع الجوارح:

تنتمي الطيور الجوارح إلى فصيلة الصقريّات، وتختلف فيما بينها اختلافًا كبيرًا، من حيث الشكل واللون وأساليب الصيد والصفات العامة. ومن فئات الجوارح 1- مجموعة النسور، كالنَّسر الأسمر والرَّخَم، ولم يكن العرب يعدونها من جملة الجوارح الضواري لأنها تصيد ولا تقنص إلا في الندرة، وغالب طعامها من الميتة والحشرات وهوامّ الأرض، وليس لها منْسَر (منقار يُنْسر به اللحم) كمنسر الجوارح الضواري. 2- مجموعة الصقور الحوَّامة، كصقر العسل، والحميمق، والصقر الحوام، والسقاوة 3- مجموعة العُقبان، كالعُقاب الذهبي والعقاب الأسفع الكبير 4- مجموعة الحدايا، ومنها الحدأة السوداء والحدأة الحمراء 5- مجموعة البواشق ؛ مثل باشق العصافير والبازي 6- مجموعة المرز، مثل مرزة البطائح ومرزة الدجاج 7- مجموعة الصقور، مثل الصقر الحر وصقر الغزال. ويعد عدد الصقريات في العالم قليلاً جدًا إذا ما قورن بعدد الطيور الأخرى.

صقر من النوع الحر
من حيث الجودة، تقسم الصقور إلى أربع فئات ؛ يأتي في مقدمتها الجيري ذو الأجنحة الطويلة والجسم الصغير، ويأتي في المرتبة الثانية الصدغ ذو الأجنحة القصيرة، ويعد هذان النوعان سواء الصقر أو الباز من أفضل الأنواع لأنهما يمتازان بسرعتهما في الطيران وحركة الانقضاض. ويأتي في المرتبة الثالثة الباز الحوّام أو الجراح، وله ساقان قويتان ويغلب عليه اللون الأحمر في ذيله وأكتافه، والنوع الرابع يُعرف بقاشد الأرض. وكانت دمشق لقرون عديدة من أكبر أسواق بيع الباز المدرَّب.

نبذة تاريخية:

لا يمكن الجزم بأي الأمم كانت أول من اهتدى إلى الصيد بالجوارح. لكن من الثابت أن هذا الفن بدأ على شكل مهارة بدائية ظهرت مع اعتماد الإنسان على الصيد مصدرًا للرزق ثم ارتقت هذه المهارة إلى أن صارت فنًا قائمًا بذاته عند العرب وغيرهم من الأمم الأخرى. وتذكر المصادر أن أغلب من مارس هذا الفن بوصفه فنًا ومتعة الخلفاء والسلاطين والأمراء والوجهاء. وبازدهار هذا الفن، ازدهرت الحرف المتعلقة به ؛ فنشأت حرف المدربين والبائعين الذين يعملون في بيع أدوات البيزرة كالكمة (بُرْقُع الصقر)، والدُّسْتبان، والخريطة (جراب البازيار) والأجراس وغيرها.

ارتفعت تكاليف هذه الهواية حتى إنه يقال إن نفقات البيزرة والبيازرة بلغت في عهد المتوكل 500,000 درهم في السنة وعند بعض الخلفاء الفاطميين 50,000 دينار سنويًا. ولم يقتصر هذا الفن على بلد دون آخر من البلدان العربية من أقصى الشرق إلى بلاد الأندلس، وأصبحت لهذا الفن أصوله وقواعده، من ذلك ما سماه أهل المشرق الزمام أو ما سماه الأندلسيون خطة يشرف عليها رئيس البيازرة أو أمير شكار، كما كانت للبيازرة أحياء خاصة بهم ؛ ففي الأندلس تسمى أحياء البيازين وفي مصر حارة البيازرة.

صنّف العرب العديد من المؤلفات في هذا الفن، تناولت أصناف الجوارح وألوانها وأجناسها وَجيِّدها ورديئها وتَضْرية كل نوع منها وطبائعها وأمراضها وعلاجها وإضمارها. ومن جملة ما كُتب عن فن البيزرة كتاب الكافي في البيزرة لعبد الرحمن البلدي (حوالي 576هـ، 1180م) وكتاب الجوارح لعبد الله البازيار و المنصوري في البيزرة (645هـ، 1247م). ولعل من أفضل ما يشير إلى رقي هذا الضرب من الفنون قول البلدي في الكافي (مداراة الجوارح علم دقيق لا يفهمه إلا الذكي الفطن اللبيب، وهو من آداب الملوك والسلاطين والعظماء، ومن أعظم لذّاتهم وأكبر راحتهم ومفاخرهم). ومن الكتب الحديثة في هذا الفن كتاب رياضة الصيد بالصقور للشيخ زايد آل نهيان.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية