الرئيسيةبحث

السلتي، الفن ( Celtic art )



كأس أرداغ. هذه الكأس من أروع أمثلة فن السلتيين، وقد وصل ذروته في أيرلندا. وعثر على الكأس بأرداغ في مقاطعة لمريك، وهو إناء فضي مزخرف يرجع عهده إلى القرن الثامن قبل الميلاد.
السَّلتي، الفن. الفن السلتي هو العمل الفني الذي عَبَّر به السلتيون عن عبقريتهم الفنية، كصنع الأدوات المعدنية والنحت والخزف. وكان السلتيون متفوقين في زخرفة الأشياء، وكانوا يستعملون مزيجًَا جميلاً من الخطوط المتقوسة واللولبية استلهموها من أشكال طبيعية، كالنبات، والحيوانات، والطيور. ولم يكن الفنانون يصورون الأشياء كما هي في الواقع، بل عبروا عنها في أشكال تجريدية.

ويمكن تقسيم الفن السلتي إلى مرحلتين رئيسيتين هما: فن السلتيين الأوائل في كل أنحاء أوروبا الغربية، وفن السلتيين الأيرلنديين ابتداء من العهد النصراني الأول إلى العصور الوسطى. وفي القرن الخامس قبل الميلاد بدأ السلتيون الذين عاشوا في وادي الراين يطورون فنًّا ذا صفات مميزة. وفي فترة لاحقة، انتشرت الحضارة السلتية في المناطق التي عُرفت مؤخرًا بتشيكوسلوفاكيا والنمسا وشمال إيطاليا، وفرنسا، وأسبانيا، وبريطانيا، وأيرلندا. وكان يطلق على الفن السلتي في أوروبا في الفترة الممتدة من القرن الأول إلى القرن الخامس قبل الميلاد اسم فن لا تين نسبة إلى لا تين، وهو موقع أثري في سويسرا.

ومع بداية القرن الثاني قبل الميلاد، كانت حضارة السلتيين على جانب كبير من التدهور، غير أن الفن السلتي استمر إلى عام 150م، كما استمرت الأشكال الرئيسية للفن السلتي حتى فترة متأخرة في أيرلندا وأسكتلندا حيث لم يصل الغزو الروماني. وبعد دخول النصرانية في هذين البلدين، أصبح فن الزخرفة عند السلتيين بالغ الذروة في التعقيد، واستمر هذا الأسلوب حتى أواخر القرن الثاني عشر الميلادي.

الزخرفة

يعتقد علماء الآثار أن فن لا تين تأثر بفن شعوب كل من اليونان وإيطاليا. وكانت للسلتيين علاقات تجارية بهذه الشعوب، وكانوا يقايضونهم الحديد الخام، والرقيق وبضائع أخرى للحصول على الخمر. وكان اليونانيون والإيطاليون يبيعون خمرهم في أوان مزخرفة برسوم كلاسيكية تشبه سعف النخيل، أو مزخرفة بأشكال نباتات لولبية، أو بالحيوانات، أو وجوه بشرية. وكان الحرفيون السلتيون يحاكون هذه الزخارف وطوروا انطلاقا منها فنًا زخرفيًّا مميزًا، فبسطوا قسمات الوجوه البشرية محولين إياها إلى أشكال غاية في الأناقة. وكانوا يستغلون قدرتهم على التقليد في إضفاء زخرفة عجيبة على العقود البرونزية أو الذهبية، والأسورة والعربات.

وبين القرنين السابع والثاني عشر الميلاديين تَـبَـنَّى الأيرلنديون وطوروا عدة أشكال زخرفية جديدة مُستقاة من مناهل عدة، مضيفين إياها إلى رسوم الخطوط المتقوسة واللولبية.

ومن أكثر هذه الأشكال أهمية تشابك الحيوانات الذي نُقِلَ أصلاً عن زخرفة كان يستعملها السكسون. ويظهر في تشابك الحيوانات أجسام الحيوانات والطيور مطولة ومعقودة، ومنسوجة مع بعضها بعضًا لتكون شكلاً مميزًا. وكان الرسمُ ـ بشكل عام ـ منظمًا غير أن تصاوير رؤوس الحيوانات ومخالبها كان يضفي على الرسوم حيويةً كبيرةً، وتتضايق الخطوط المتقوسة وتتحول إلى خطوط لولبية وفي وسطها تشابك أو رؤوس طيور صغيرة.

واستعمل الرهبان الأيرلنديون هذه الأشكال لزخرفة المخطوطات، وبخاصة الأناجيل. ★ تَصَفح: المخطوطة. كما خط الرهبان المخطوطات بخط جميل، منتظم، وفي أول كل إنجيل رسموا صورة مزخرفة للمنصِّر أو رمزه على صفحة، وعلى الصفحة الأخرى كتبوا بداية النص.

وهذه الصور ليست واقعية، فكثيرًا ما يحوِّل الفنان رداء المنصِّر، أو ملامح وجهه في بعض الأحيان، إلى زخرفة كما كانت ثيابه تمثَّل كأنها سلسلة من الأشكال الزاهية الألوان. أما بداية النص فكانت تُكتب ببعض الأحرف الضخمة المنشورة على الصفحة كلها والمرصَّعة بزخارف زاهية الألوان. وتحتوي بعض المخطوطات على صفحات يوجد بها رسوم توضيحية لبعض المقاطع من الأناجيل، وعلى عدد من الأحرف الزاهية الألوان في النص ذاته. وهناك مخطوطتان تعتبران من أكثر المخطوطات تفصيلاً وإحكامًا، وهما سفر كِيلْز، وسفر دورُّو، وكلاهما موجود في مكتبة جامعة التثليث (ترينتي) في دبلن بأيرلندا.

صناعة الأدوات المعدنية

إبزيم تارا يمثل بكل روعة مهارة السلتيين في صناعة المشغولات الذهبية وتثقيبها خلال القرن الثامن الميلادي، ويوجد الآن في المتحف الوطني بأيرلندا.
عثر علماء الآثار على نماذج كثيرة من فن لا تين في قبور رؤساء قبائل سلتيين في وادي الراين، كالقبر الذي عثر عليه في فالد الغسهايم بألمانيا. وكان القادة السلتيون يُدفنون في هذه القبور مع عرباتهم الحربية وممتلكات أخرى ثمينة. وتُوجد قبورٌ أخرى من هذا النوع نفسه إلا أنها أقل غنى، وجدت بشامبين، شمال شرقي فرنسا. ويرجع عهد هذه القبور إلى فترة متأخرة قليلاً إذا قورنت بالقبور الموجودة في وادي نهر الراين.

واستخرج من هذه القبور مئات الأدوات البرونزية وكمية كبيرة من الأواني الخزفية. أما موقع لا تين الذي يرجع عهده إلى فترة متأخرة بكثير، فلم يكن أقل سخاء، إذ عثر فيه على سيوف حديدية أبهرت الناس بأغمدتها البرونزية المنقوشة بكل براعة وجمال. وكان السلتيون يصنعون هذه الأشياء المعدنية بعناية فائقة، ويستعملون تقنيات معقدة، غير أنهم لم يتقنوا صنع الزهريات البرونزية الكبيرة في قالب واحد ودفعة واحدة، كما كان يفعل حدادو كلٍ من اليونان وإيطاليا. وكان السلتيون يصنعون الأشياء المعدنية بوساطة الطَّرْق المتكرر حتى تأخذ هذه الأشياء المعدنية الشكل المرغوب، ثم يزخرفونها برسوم بارزة أو منقوشة على سطح المعدن.

وكان الحدادون السلتيون يزينون المعادن بطلائها بمادة المينا الملونة، والمرجان، والعنبر، أو يرصِّعونها بقطع من الزجاج الأحمر، والأزرق أو الأخضر، وامتاز السلتيون بمهارتهم في الطلاء بالمينا رغم بساطة الطريقة التي كانوا يستعملونها. وفي جنوب بريطانيا ـ قبل الغزو الروماني بقليل ـ كان طاقم خيل رؤساء القبائل السلتية يزيِّن بقطعات كبيرة ومسطحة من المينا ذات الألوان الزاهية. وكان الحرفيون ـ أحيانًا ـ يصنعون عقود زينة صغيرة من المينا على هيئة كتلٍ من الطين لتظهر ناتئة ثم يضعون قطعة صغيرة برونزية تغطي سطحها. وكان سلت جنوبي بريطانيا يضعون مرايا برونزية مستديرة منقوشة برسوم من الخلف.

ولقد استعمل الحرفيون الأيرلنديون رسومًا مشابهة لتزيين أدوات معدنية تستعمل في الكنائس خاصة. وأظهر الحدادون الأيرلنديون في القرن الثامن الميلادي مهارة كبيرة في تزيين الكؤوس والمذاخر، (وهي أنواع خاصة من الكؤوس تحفظ فيها بعض الأشياء المقدسة) والأبازيم، كما كانوا يستعملون معادن مختلفة، كالبرونز المطلي بالذهب، والفضة والذهب. ومن بين الأدوات المعدنية التي صنعها هؤلاء الحدادون، كأس أرداغ، ومذخر لحزام قديس عُثر عليه بمسويلو في سليجو، وكذلك عدة أبازيم (مشابك كانت تستخدم للزينة) ومن أشهرها إبزيم تارا.

ويعتبر القرن الثاني عشر الميلادي من أرقى الحِقب في صناعة المعادن الأيرلندية. وأهم الأدوات التي بقيت من ذلك الوقت مذخر ذراع القديس لاشتن وصليب كونغ الذي صُنع في العشرينيات من القرن الثاني عشر الميلادي من أجل تيرلاو أوكونور، ملك كوناخت.

الفن المعـماري

لايعرف علماءُ الآثار الكثيرَ عن الأماكن التي عاش الناس فيها في العهد النصراني الأول في أيرلندا وأسكتلندا. ومعظم بنايات ذلك العهد كانت من الخشب ثم اندثرت تمامًا. ومنذ البداية لم تكن هناك أية قُرى منظمة، وكان كثيرٌ من الناس يعيشون في منازل وسط مزارع منعزلة، ومحاطة بجدار دائري أو مبنية على جزر صناعية صغيرة وسط مستنقعات. وفي الوقت الذي بدأت فيه الأديرة تحتل جانبًا كبيرًا من الأهمية بدأ الناس يبنون منازلهم قُربها. وفي وقت لاحق أنشئت في أيرلندا مدنُ، مثل دبلن ولمريك ووكسفورد قرب البحر.

ويحتوي الشاطئ الغربي من أيرلندا على آثار صوامع صغيرة يُوجد فيها مصلّيات صغيرة مبنية بالحجر المجفف (حجر بدون مادة بناء كالإسمنت). وتشير مخطوطات يرجع عهدها إلى أواخر القرن الثامن الميلادي إلى كنائس مبنية بالحجر، وتُظهر الآثارُ القليلةُ المتبقيةُ أن هذه الكنائس كانت مستطيلة الشكل وبسيطة في بنائها، كما كان للكثير منها أبراج مستديرة بالقرب منها ومبنية بالحجر. ★ تَصَفح: الأبراج المستديرة.

فن النحت

كان السلتيون الأوائل ينحتون تماثيل لبشرٍ أو لحيواناتٍ، وكانوا يستعملون لهذا الغرض الحجر والبرونز. وتعتبر بعض تماثيل الحيوانات واقعية إلى حد كبير. إلا أن معظم الأشكال البشرية كانت بسيطة للغاية. وعثر علماءُ الآثار على عددٍ من التماثيل أو علي أجزاء منها في كل من ألمانيا وتشيكوسلوفاكيا (السابقة)، وأيرلندا، كما وجدوا في جنوبي فرنسا بقايا نقوش كانت تمثل جزءًا من بوابة نُصب تذكاري، وتحتوي نقوش سلتية أخرى على حجر مزيَّن بوساطة أشكال مكونة من خطوط متقوسة أو ذات زوايا عديدة. وعُثْر على هذا النوع من الحجارة في كلٍ من وادي الراين وألمانيا، وفي منطقة بريتاني في فرنسا، وفي أيرلندا.

فن السيراميك

إن أواني لا تين الخزفية جميلة الصنع، لكن القليل منها فقط صُنع بوساطة دولاب الخزَّاف. ولقد رسم الحرفيون السلتيون على أعمالهم الخزفية أشكالاً ذات زوايا عديدة، لونوا سطوحها باللون الأسود وصقلوه بحيث تظهر على شكل مزهريات معدنية. ويحتوي بعض الأواني الخزفية على زخارف ملونة أو منقوشة تتضمن -في بعض الأحيان- خطوطًا متقوسة تشبه تلك التي توجد على أدوات معدنية مُزَّينة. وقد عُثر على نماذج من تلك الأواني الخزفية والمزهريات الملونة في كل من شامبين بفرنسا وأسبانيا، وكذلك على مزهريات منقوشة في منطقة بريتاني، وعلي أشياء أخرى في جنوب إنجلترا. ★ تَصَفح: السلت، شعب ؛ السيراميك ؛ النحت، فن.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية