بوسطن ( Boston )
مقر الدولة التاريخي القديم ببوسطن شيّد عام 1713م حيث استخدمته الحكومة الاستعمارية قبل اندلاع الثورة الأمريكية. وقد بدا في يومنا هذا قزما مقارنة بمباني الحكومة العصرية. |
تُعدّ مدينة بوسطن من أقدم المدن وأعرقها حيث أنشأها الإنجليز عام 1630م. واعتبرت الميناء الرئيسي للمستعمرات حيث تبحر منها السفن المتجهة لإنجلترا وجزر الهند الغربية. لهذا نمت بسرعة خلال فترة الاستعمار، ومازالت المباني الأنيقة التي يرجع تاريخها إلى القرن الثامن عشر الميلادي قائمة على امتداد الشوارع الضيقة والمتعرجة.
تُعرف بوسطن بمهد الحرية، حيث شهدت مولد الثورة الأمريكية (1775-1783م). وقد حدثت بقربها مذبحة بوسطن وغارة بوسطن تي بارتي وعدة معارك كبيرة من حروب الثورة الأمريكية. ★ تَصَفح: بوسطن تي بارتي. وفي كل عام، يتوافد السَّياح لزيارة بوسطن لرؤية ما يذكرهم بفترة الثورة، مثل بيت بول ريفير وقاعة فينول وبيت الدولة القديم، وغيرها من الأماكن التي كانت قائمة في فترة الاستيطان.
سمّى البيوريتان (التطهيريون)، وهم طائفة دينية، مدينتهم باسم مدينة بوسطن الإنجليزية. ومع مرور السنين وصل آلاف المهاجرين من أيرلندا وإيطاليا وكندا وأجزاء أخرى كثيرة من العالم. وهناك عدد كبير من سلالتهم حققوا نفوذاً اقتصادياً وسياسياً في المدينة.
عانت مدينة بوسطن كثيرًا المشاكل نفسها التي واجهت معظم المدن الأمريكية الأخرى كالفقر والاضطرابات العنصرية وترديّ حال الأحياء الفقيرة. ومحاولةً للتخفيف من حدَّة هذه المشاكل، بدأت المدينة برنامجاً ضخماً لتجديد الحياة الحضرية والمكاتب الحديثة والمحلات التجارية لجذب العائلات والأعمال إلى المدينة من جديد.
المدينة:
تقع بوسطن على امتداد الساحل الأمريكي على المحيط الأطلسي في شمال شرقي ماساشوسيتْس. وتمتد المدينة على مساحة 132كم². يحد بوسطن من الجنوب الشرقي نهر النِّبنْست كما تفصلها أنهار تشارلز وتشلسي ومِسْتك عن الضواحي العديدة في الشمال والغرب.أنشأ الإنجليز المدينة عام 1630م على شبه جزيرة مساحتها 317 هكتارًا تقع بين نهر تشارلز وميناء بوسطن. وفي منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، أضيف إلى المدينة 1,200 هكتار من الأرض. ومع مرور السنين، اتسعت بوسطن بضم كثير من المدن المجاورة إليها مثل تشارلز تاون، ودورشستر وروكسبري وبوسطن الجنوبية التي كانت في الماضي تجمعات مستقلة.
يشغل وسط مدينة بوسطن مركز شبه جزيرة شومت، وهو خليط من المعالم التاريخية والمصانع القديمة وأبنية المكاتب وناطحات السحاب المؤلفة من الزجاج والفولاذ اللامع. وفي الطرف الشمالي من المنطقة المركزية، يوجد مقر الحكومة.
يبدأ طريق الحرية الشهير الموجود في بوسطن (طوله 2,4كم) من مركز المدينة ثم يتجه إلى نورث إنْد عبر كثير من معالم المدينة التاريخية التي تضّم قاعة فينول، حيث كان يلتقي المستوطنون الغاضبون قبل انطلاق الثورة الأمريكية للاحتجاج على سياسات الضرائب والتجارة البريطانية، وكذلك الموقع الذي جرت فيه مذبحة بوسطن التي أطلقت فيها القوات البريطانية النار على المدنيين، وبيت الاجتماعات الجنوبي القديم حيث كان المستعمرون يجتمعون قبل بوسطن تي بارتي (حفلة شاي بوسطن).
السكان:
شكل البيوريتان الإنجليز وسلالتهم جُلّ سكان بوسطن تقريباً. وقد أنجبت بعض العائلات الغنية رجالات أعمال قياديين ومربين وكتَّاباً بارزين. وكانت تلك العائلات تسمى تشبيهًا برهمانيي بوسطن. وجاء الاسم من فئة البرهميين، وهي أعلى طبقة في الديانة الهندوسية. ومازال عدد كبير من أعضاء هذه العائلات يعيش في المنطقة.ولكن بوسطن أصبحت مدينة المهاجرين منذ أربعينيات القرن التاسع عشر، عندما بدأت موجة تلو الأخرى من الأوروبيين تتدفق على المدينة. وحتى أيامنا هذه، فإن نحو 15% من سكان بوسطن كانوا قد وُلدوا في أقطار أخرى وهذه النسبة أعلى منها في معظم المدن الأمريكية الكبيرة الأخرى. وأكثر من ثلث سكان بوسطن الكبرى وُلدوا في الخارج أو انحدروا من آباء ولدوا في بلاد أجنبية. وتحتل بوسطن المرتبة الثالثة من حيث عدد طائفة الروم الكاثوليك في الولايات المتحدة ؛ إذ إن شيكاغو ولوس أنجلوس المدينتان الوحيدتان اللتان يوجد فيهما عدد أكبر من الكاثوليك. ويوجد في بوسطن مقر رابطة المودين ـ الخلاصيين، وهي منظمة من الكنائس البروتستانتية وكنيسة المسيح والدين الروماني.
وتشكِّل ثلاث مجموعات عرقية حوالي نصف سكان بوسطن وهي: السود والأيرلنديون والإيطاليون، حيث يؤلف السود نحو 22% من سكان بوسطن بينما يشكل السكان من الأصل الأيرلندي ما مجموعه 15% أما السلالة الإيطالية فتكوّن 10%.
التعليم:
تُعدُّ بوسطن منشأ التعليم الحكومي في الولايات المتحدة. بدأت مدرسة بوسطن اللاتينية، وهي أول مدرسة حكومية، عام 1635م. ويوجد في بوسطن نحو 120 مدرسة حكومية و70 مدرسة للروم الكاثوليك وعدة مدارس خاصة أخرى. ومنطقة بوسطن الحضرية أو بوسطن الكبرى هي أحد مراكز التعليم القيادية في الولايات المتحدة، حيث يوجد فيها أكثر من عشرين كلية وجامعة. ولجامعة هارفارد ومعهد ماساشوسيتْس للتكنولوجيا في كمبردج شهرة عالمية ممتازة.الاقتصاد:
تُعدُّ بوسطن الكبرى أكبر مركز صناعي في نيوإنجلاند، ويؤلف التصنيع نحو ربع البضائع والخدمات التي تنتجها. وتبلغ قيمتها نحو 50 بليون دولار أمريكي في العام. توجد معظم المصانع خارج مدينة بوسطن. أما مدينة بوسطن فأغلبية العمال فيها يعملون في حقول الخدمات التي تضم التجارة والمال والنقل والاتصالات والتعليم والعمل الحكومي والبحث العلمي.يوجد في بوسطن أكثر من 5,000 مصنع يعمل فيها نحو 20% من عمال المنطقة، ولكن نحو 5% فقط من العمال في بوسطن نفسها يعملون في المصانع. وتنتج المصانع الموجودة في بوسطن ما قيمته نحو 12 بليون دولار أمريكي من البضائع كل عام.
ومن الصناعات الرئيسية في بوسطن: الآلات والأدوات الطبية والبصرية والأغذية المصنعة، كما تحتل الطباعة مركزاً متميزًا بين الصناعات المهمة في المنطقة، حيث يوجد في بوسطن الكبرى حوالي 115 داراً للنشر من بينها عدة مطابع جامعية.
نبذة تاريخية:
عاش هنود ماساشوسيتْس فيما يعرف الآن بمنطقة بوسطن قبل أن يستقر الأوروبيون الأوائل هناك عام 1630م. وحتى وصول المستوطنين الأوروبيين، كان سكان المنطقة من الهنود قد قُضي عليهم تقريباً بسبب الأمراض الفتاكة. ففي الفترة الواقعة بين 1615 و1617م، قتل وباءا الحصبة والحُمَّى القرمزية وغيرهما من الأمراض نحو 2,500 من الهنود الموجودين في المنطقة والبالغ عددهم 3,000 شخص. وانتقلت تلك الأمراض إلى العالم الجديد عن طريق الأوروبيين الذين كانوا قد بدأوا باكتشاف المنطقة.استبشر عدد كبير من المستعمرين الإنجليز بالأرض المفتوحة التي يمكن الاستقرار فيها دونما تهديد بالخطر من غارات الهنود. وفي عام 1630م، أنشأت مجموعة من البيوريتان تقدر بنحو 800 شخص بقيادة جون وِنْثرب مستوطنة تشارلز تاون التي هي الآن جزء من بوسطن. وفي نهاية ذلك العام عبر ونثرب وكثير من المستوطنين نهر تشارلز وأنشأوا بوسطن في شبه جزيرة كان الهنود يسمونها شومت، وفي عام 1632م، أصبحت بوسطن عاصمة مستوطنة خليج ماساشوسيتْس. ★ تَصَفح: مستوطنة خليج ماساشوسيتس. بدأت بوسطن قرية ضيقة مزدحمة يسكنها الحرفيون والمزارعون. كان المستوطنون قبل مجيئهم قد اضطُهدوا في إنجلترا بسبب معتقداتهم الدينية، ومع ذلك حاول قادة المدينة أن يخرجوا من بوسطن أي مستوطنين جدد لا يشاركونهم معتقداتهم. ولم يكن لأحد غير البيوريتان الحق في الانتخاب أو تولي منصب عام.
وعلى الرغم من وجود البيوريتان، نمت بوسطن بسرعة. فمع حلول عام 1720م، أصبحت بوسطن مدينة مزدهرة يسكنها نحو 12,000 نسمة ذوي معتقدات دينية وسياسية متعددة. ومع حلول منتصف القرن الثامن عشر الميلادي، احتلت بوسطن مركز القيادة بين المستعمرات الأمريكية من حيث التجارة والصيد وبناء السفن. وفي ذلك الوقت، أصبح أثرياء التجّار قادة المدينة ونسي الناس معظم القوانين البيوريتانية المتشددة.
ساعد الوطنيون من بوسطن في قيادة المستعمرات أثناء كفاحها من أجل الاستقلال عن بريطانيا. وفي عام 1765م، أقرّ البرلمان قانون الدمغة (رسم الطابع) الذي أوجب على المستعمرات دفع ضريبة على الصحف والوثائق القانونية والعديد من الأشياء الأخرى. واحتجّ البوسطنيون الغاضبون ضد ما سموه ضرائب دون تمثيل. كما قام الغوغائيون بنهب بيوت الموظفين الإنجليز.
في عام 1770م، نشب قتال في شوارع بوسطن بين الجمهور والجنود البريطانيين أدَّى إلى ما أصبح يُعرف بمذبحة بوسطن، حيث أطلق الجنود النار على الجمهور وقتلوا خمسة أفراد وجرحوا ستة آخرين.
في عام 1773م، نظَّمت جماعة من المستوطنين حفلة شاي بوسطن (بوسطن تي بارتي)، للاحتجاج على ضريبة فرضتها السلطات البريطانية على الشاي المستورد، إذ قام بوسطنيون متنكرون في شكل هنود بالتسلل إلى السفن البريطانية في ميناء بوسطن والقوا بحمولتها من الشاي في البحر.
وفي عام 1776م، أُمر الجنرال جورج واشنطن وقواته بتعزيز دفاعات مرتفعات دورشستر المطلة على بوسطن مما أجبر البريطانيين على الهرب من المدينة.كان الاستيلاء على بوسطن أول انتصار أمريكي كبير في الثورة الأمريكية.
وبعد انتهاء الثورة الأمريكية عام 1783م، بدأ تجار بوسطن بجمع ثروات ضخمة من خلال التجارة الأجنبية. عام 1822م، صدر مرسوم أصبحت بوسطن بموجبه مدينة. وفي الفترة الواقعة بين 1824 و1858م أدَّت مشاريع ردم الأرض إلى رفع مساحة شبه جزيرة شومت إلى ما يزيد على الضعف. وخلال الأربعينيات من القرن التاسع عشر، اتجه أكثر من 500,000 مهاجر أيرلندي إلى بوسطن هرباً من المجاعة في موطنهم حيث أخفق محصول البطاطس، مما أمّن لمصانع المدينة وسككها الحديدية وأرصفة مينائها أيادي عاملة رخيصة. أصبحت بوسطن في القرن التاسع عشر مركزًا للنشاط الأدبي، فقد عاش فيها كتّاب مشهورون من أمثال: لويزا ماي وألكوتْ ورالف وإلدو إمرسون وناثانيل هووثورن وهنري ودزورث لونجفلو الذين جمعتهم عُرى صداقة حميمة. وقد بدأ وليم لويد جاريسون حركة قوية لمقاومة الرق في بوسطن في الثلاثينيات من القرن التاسع عشر.
وفي التاسع من نوفمبر عام 1872م، أتت النار على ما يقرب من 24 هكتاراً من وسط مدينة بوسطن، لكن أعيد بناء المنطقة بسرعة واستمرت المدينة في النمو. أقيمت أولى السكك الحديدية تحت الأرض في الولايات المتحدة في مدينة بوسطن عام 1897م. ومع بداية القرن العشرين وصل عدد سكان المدينة إلى ما يقارب 560,000 نسمة.
وخلال الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، بُني نظام جديد للطرق الخارجية والقطارات السريعة داخل وخارج بوسطن، إلا أن منطقة النشاط التجاري وبعض المناطق المجاورة بدأت بالتراجع، حيث انتقلت آلاف العائلات والأعمال التجارية من المدينة إلى الضواحي مما أدى إلى هبوط عدد سكان بوسطن من أكثر من 800,000 نسمة عام 1950م إلى نحو 563,000 نسمة عام 1980م.
بدأ برنامج واسع لتجديد المدينة في بداية الستينيات من القرن العشرين، حيث أنفقت المدينة والولاية والحكومات الفيدرالية (الاتحادية) نحو 465 مليون دولار أمريكي لتحسين ما يزيد على 1,010 هكتارات من الأرض. وفي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين، وفرّت مشاريع إعادة التطوير الإضافية مزيداً من المكاتب والمنازل مما أدى إلى توقف الانخفاض في عدد سكان بوسطن وبداية الارتفاع.