الرئيسيةبحث

الشغب ( Riot )



شرطة مكافحة الشغب وهي تحمل الهراوات لتفريق الحشود أثناء أحداث شغب في ميدان الطّرف الأغر بلندن.
الشَّــغـب اضطراب عنيف تصاحبه ضجة تثيره مجموعة من الناس. يؤذي مثيرو الشغب عادة الآخرين ويخربون الممتلكات. تُعد إثارة الشغب أو دفع الناس لإحداث الشغب جريمة في معظم البلاد، ومع ذلك يختلف التعريف القانوني الدقيق للشغب من مكان لآخر. يُعرف الشغب في كثير من الدول أنه إخلال بالأمن بوساطة ثلاثة أشخاص أو أكثر مستعدين لاستخدام العنف لتنفيذ غرض مشترك. وفي الدول الأخرى تُعرَّف الجريمة أنها تجمُّع مثير للشغب أو غير قانوني.

لا يمكن دائماً التمييز بسهولة بين الشغب والهمجيّة (التخريب المتعمد للممتلكات العامة والخاصة) والسلوك المُخل بالنظام والجرائم الأخرى المشابهة، ولكن معظم حوادث الشغب يشترك فيها مئات أو آلاف من الناس وهي عادة تعقب تفاقم مظالم اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة سابقة، وقد يندلع الشغب بصورة عفوية أو قد يكون مخططًا بعناية عن طريق مؤامرة.

وعلى العكس من التمرد والعصيان الجماعيين، فقلّما يكون الهدف من الشغب الإطاحة بحكومة أو إبعاد قادة معينين، ولكنه يمكن أن يؤدي إلى حركة قد تؤدي إلى هذه النتيجة.

وقد يندلع الشغب أثناء مظاهرة. ففي المظاهرات يتجمع كثير من الناس للاحتجاج علنياً ضد بعض سياسات الحكومة أو ضد صناعة ما أو جامعة أو أي مؤسسة أخرى. ولكن عندما تهيج العواطف قد يؤدي تجمع آلاف الناس، وجهود الشرطة للمحافظة على النظام إلى العنف.

أسباب الشغب

حدث الشغب منذ بداية التاريخ في جميع أنحاء العالم. في معظم المجتمعات، كان الفقراء يثيرون الشغب من وقت لآخر للتأكيد على مطالبتهم بالطعام. ولكن الفقر والحاجة ليسا السببين الوحيدين فقط. فعلى سبيل المثال، قام عمال يطلق عليهم اسم اللوديين، في بريطانيا في أوائل القرن التاسع عشر، بإثارة الشغب وحطموا آلات بعض المصانع خشية أن تحل محلهم. وفي عام 1968م، تشاجر الطلبة مثيرو الشغب والشرطة في الولايات المتحدة من أجل قضايا مختلفة. ومنها ادعاء وحشية الشرطة أثناء مظاهرات طلابية وذلك في مكسيكوسيتي وفي باريس.

تختلف نوعية القضايا التي تثير الشغب. ومع ذلك، نجد أن الأسباب وراء كثير من حوادث الشغب متشابهة. تحدث كثير من حوادث الشغب لاعتقاد بعض الفئات من الناس أنها لا تتمتع بفرص عادلة ومتساوية مع الآخرين في أي تقدم اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي. ويعيش معظم أفراد الأقليات في وضع كهذا. ★ تَصَفح: الأقلية. وتشعر أعداد كبيرة من هذه المجموعات أن الأفراد أو المؤسسات الحكومية أو المنظمات ذات التأثير القوي على حياتهم، تسيء معاملتهم. وبذلك يصبحون متبرمين لشعورهم أنهم لايستطيعون اتخاذ القرارات الكبرى التي تؤثر عليهم وعلى مجتمعهم. وغالبًا يصبح الأشخاص الذين أهمِلت مظالمهم متحدين، ويمكن أن تنفجر مشاعرهم في أي لحظة. وقد يصبح أفراد الأغلبية أيضاً مثيرين للشغب إذا خشوا الأقلية، فيهاجمون أفراد الأقلية لإبقائهم في وضعهم الاقتصادي والاجتماعي المتدني.

ويصنف العديد من علماء الاجتماع الشغب إلى مجموعتين: 1ـ شغب ذرائعي 2ـ شغب تعبيري

الشغب الذرائعي:

يحدث عندما تلجأ جماعات إلى العنف بسبب سخطها على قضايا معينة. وكانت معظم حوادث الشغب عبر التاريخ من هذا النوع. وينتج العنف من محاولات تغيير بعض السياسات أو تحسين بعض الأوضاع. ونجد أن معظم حوادث شغب العمال ـ خاصة تلك التي حدثت في الماضي ـ من هذه الفئة. فمثلاً في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، ناضل النقابيون في كثير من الدول بضراوة لتحسين ظروف العمل في المناجم والسكك الحديدية والمصانع، وكانت نزاعات النقابات مع الإدارة، تؤدي عادة إلى العنف. وقد ظهر السخط ضد أصحاب العمل مرة أخرى في أواخر العقد الأول من القرن العشرين في بريطانيا. فقد أدت العمالة الفائضة في بعض الصناعات مثل الطباعة والتعدين إلى مواجهات واسعة النطاق مع الشرطة وإلى إثارة الشغب.

وتشمل أنواع الشغب الذرائعي الأخرى، السجن والانتخابات ومناهضة الحرب والشغب الطلابي. وقد حدث شغب الانتخابات في جنوب إفريقيا في عام 1989م، حيث كان حق التصويت للأقلية البيضاء فقط نتيجة لسياسة التمييز العنصرية الحكومية. ★ تَصَفح: التفرقة العنصرية في جنوب إفريقيا. كما حدث شغب الانتخابات أيضًا في بنما عام 1989م، لعدم ثقة الناخبين في الإدارة لأخذ أصواتهم بنزاهة والتزامها بالنتيجة.

يدل الشغب الذرائعي عادة على أن التنظيمات التي هوجمت لم تستمع بفعالية إلى المظالم التي عُبر عنها مسبقاً عبر القنوات النظامية أو لم تتصد لها بجدية. ولكن معظم الناس يستهجن استخدام العنف لتحقيق حتى أنبل الأهداف، إذا كانت وسائل التغيير السلمية متوفرة.

الشغب التعبيري:

يحدث عندما يستخدم عدد كبير من أفراد جماعة الأقلية العنف للتعبير عن عدم رضاهم عن أوضاعهم المعيشية. وقد أظهرت دراسات الشغب في المدن منذ ستينيات القرن العشرين أن أفراد الأقليات العرقية في مناطق الشغب لديهم مظالم كثيرة، منها قلة فرص العمل وسوء المساكن ورداءة المدارس وإحساسهم باستخدام الشرطة للعنف الزائد. ولقد اندلعت العديد من حوادث الشغب العرقي نتيجة للاعتقالات أو تصرفات الشرطة الروتينية الأخرى التي اعتبرتها الأقليات استفزازاً ووحشية، وأدت تصرفات الشرطة هذه إلى خروج حشود ضخمة إلى الشوارع للاحتجاج. لم يستطع العدد القليل من الشرطة الموجود على مسرح الأحداث السيطرة عليها.

أصبحت أحداث الشغب الناتجة عن ذلك، في المقام الأول، إشارات رمزية لسخط واسع النطاق. ولكن بالنسبة لبعض المشاركين في الأحداث صارت فرصة لنهب المحلات التجارية للكسب الخاص، وبالنسبة لبعضهم الآخر لم تكن أكثر من لعبة مدمرة. وتُستخدم الشرطة لكبح جماح مثيري الشغب ومحاولة إعادة النظام أحياناً، قوة تعتقد أغلبية الناس أنها أكثر من اللازم. ويؤدي مثل هذا التصرف، بالطبع، إلى أن يصبح الكثير من مثيري الشغب أكثر عنفاً.

أحداث الشغب الكبرى في القرن العشرين

آسيا:

كان الاستياء من استمرارية الحكم الاستعماري الإنجليزي في الهند سببًا لكثير من حوادث الشغب في النصف الأول من القرن العشرين. دعا الزعيم الهندي موهنداس غاندي إلى سياسة اللاعنف وقد حقّق نجاحًا كبيرًا، ولكن، مع ذلك جرت أحداث شغب ونهب في نيودلهي عام 1921م وفي كاونبور عام 1931م ثم في ميسور عام 1938م.

في عام 1946م قادت إثارة الشغب والعنف الطائفي، في جميع أنحاء الهند إلى شفا حرب أهلية. فقد الكثير من الناس ثقتهم في قادتهم لأن السياسيين منهم كانوا قد أعلنوا التقسيم الوشيك لشبه القارة إلى أمتين منفصلتين هما الهند وباكستان. فخاف الهندوس من العيش كأقلية في الباكستان، وشعر المسلمون في الهند بالخطر.

استمر الاضطراب وعدم الثقة بين الهندوس والمسلمين بعد انفصال الهند وباكستان عام 1947م، وكانا سبباً في إثارة الشغب في عدة مناسبات. ففي 1964م، قُتل 200 شخص في أحداث شغب بين الهندوس والمسلمين في كلكتا. وفي عام 1984م هاجم الهندوس السيخ للانتقام لمقتل رئيسة الوزراء أنديرا غاندي التي اغتالها حرسها الخاص من السيخ. ومع أن المجموعات الدينية المختلفة لديها مظالم خطيرة إلا أن العنف قد ينظم في كثير من الأحيان لأسباب سياسية أخرى.

وقد استمر الشغب لفترات طويلة في بورما خلال عامي 1987 و 1988م. فقد استاء الناس بعد أن أدت ضآلة المحصول إلى نقص الأرز، واحتجوا أيضًا على سحب فئات عالية من الأوراق النقدية. وبسبب ازدياد حوادث العنف والمظاهرات المناهضة للحكومة فقد أعلنت الحكومة الأحكام العرفية (أى الحكم العسكري).

أوروبا:

أدت إثارة الشغب في لندنديري بأيرلندا الشمالية إلى إرسال القوات البريطانية إلى المدينة لإنهاء العنف عام 1969م. واستمر الخلاف بين الكاثوليك والبروتستانت وتطور إلى مشكلة سياسية طويلة الأمد في البلاد.

ولقد جرت أحداث شغب شديدة العنف في مدينة بريستول عا م1980م، ثم اندلع العنف مرة أخرى في عام 1981م في بريكستون (جنوب لندن) وفي ساوثول (غرب لندن) ثم في توكستث (ليفربول). وبالرغم من أن معظم مثيري الشغب كانوا من الشباب السود، إلا أن الحكومة تمسكت برأيها التقليدي وهو أن تلك الحوادث ليست حوادث شغب عنصرية. وكان السبب وراء هذا الانفجار السخط الشديد من البطالة والمساكن السيئة والمؤسسات الصحية الرديئة.

وقد وُجد في تحقيق عام قام به اللورد سكارمان، أن انهيار الثقة فيمن هم في السلطة قد أدى إلى السخط. فالشباب السود قد عانوا بين يدي الشرطة ولذلك لجأوا إلى العنف، ولكن وجد التحقيق أن معظم أفراد الشرطة المشتركين لم يكونوا عنصريين.

تسببت محاولات تحديد أسعار دول السوق الأوروبية المشتركة في عسر مالي في كثير من الدول الأعضاء. ففي عام 1990م، اتخذ المزارعون في فرنسا إجراء بإيقاف استيراد لحوم الضأن والأبقار الأجنبية، احتجاجاً على هبوط أسعار اللحوم. وفي ثورات عنيفة عمت أرجاء البلاد، هوجمت شاحنات محملة بحيوانات حية مستوردة، وذبحت الحيوانات في بعض الحالات.

الولايات المتحدة:

اندلعت كثير من أحداث الشغب في مدن الولايات المتحدة خلال الستينيات بصورة واسعة وذلك لمعاناة سود الجيتو (الجيتو: الحي الخاص بأقلية معينة) من الحرمان الاقتصادي والظلم الاجتماعي. وشملت هؤلاء الموجودين في حي واتز في لوس أنجلوس عام 1965م، وفي ديترويت ونيوارك عام 1967م، وفي كليفلاند عام 1968م. وقد كان شغب ديترويت أعنفها ؛ فقد أدى إلى وفاة 43 شخصاً وإلى دمار هائل في الممتلكات.

إثر أحداث الشغب في ديترويت أسس الرئيس لندون جونسون اللجنة الاستشارية القومية للاضطرابات المدنية وتُعرف أيضاً بلجنة كيرنر لدراسة أسباب أحداث الشغب في المدن. ولقد وضعت اللجنة معظم اللوم على التحيز العنصري والتمييز اللذين كان يمارسهما البيض ضد السود. وفي عام 1968م، أسس جونسون اللجنة القومية لمسببات العنف ومنعه، ولقد أوصت اللجنة ببعض الإجراءات مثل تحسين وضع الإسكان وزيادة الفرص الاقتصادية للفقراء من السود.

اندلعت أحداث الشغب عام 1968م أثناء انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي في شيكاغو. فقد تجمع آلاف الشبان في وسط المدينة واحتج معظمهم على دور الدولة في حرب فيتنام (1957-1975م). ولقد جرت عدة مصادمات دامية بين المتظاهرين والشرطة ولكن لم يقتل أحد. ولقد أدى تورط الولايات المتحدة في الحرب إلى تزايد عدد أحداث الشغب الصغيرة والمظاهرات عبر البلاد، وفي كثير من المدن في جميع أنحاء العالم.

اندلعت أحداث الشغب في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة عام 1992م عندما برأت المحكمة أربعة من رجال الشرطة البيض كانوا قد انهالوا على المواطن الزنجي رودني كنج حتى فاضت روحه. صور هاوٍ الحدث ونقلته محطات التلفزة لكل العالم. أسفرت أحداث الشغب عن مقتل 53 مواطناً وأصيب 24 آخرين بجروح وقدرت الخسائر بمليار دولار. أعاد القضاء محاكمة المتهمين عام 1993م، وحكم على اثنين منهم.

شرطة مكافحة الشغب

أفراد مكافحة الشغب يرتدون خوذات ويحملون دروعاً بلاستيكية وتحتوي شاحنتهم على مصبعة (حاجز من القضبان) لحماية الحاجب الزجاجي من القذائف.
يوجد في بعض الدول فرق من الشرطة مدربة خصيصاً للتعامل مع أحداث الشغب. وفي دول أخرى، يدرب ضباط الشرطة العاديون على استخدام معدات خاصة لمكافحة الشغب عند الحاجة. وقد يرتدي هؤلاء الضباط خوذات ويحملون دروعاً واقية لحماية أنفسهم من الحجارة والقذائف الأخرى. وقد يتسلح البعض منهم أيضاً بهراوات للدفاع عن أنفسهم. وتستخدم الشرطة في بعض البلاد الغاز المسيل للدموع أو المدافع المائية لتفريق مثيري الشغب. وقد تطلق رصاصات بلاستيكية بل حتى ذخيرة حية. وتستخدم بعض القوات النظامية شرطة الخيالة للسيطرة على الشغب. إذ أنهم يمكن أن يكونوا أكثر فعالية في تفريق الحشود وتحريك الناس.


المصدر: الموسوعة العربية العالمية