الرئيسيةبحث

العصيان المدني ( Civil disobedience )



العصيان المدني رفض علني عن عمد لإطاعة قانون ما. وبعض الناس يستخدمون العصيان المدني شكلاً من أشكال الاحتجاج لإثارة الانتباه إلى ما يعتقدون أنها قوانين وسياسات غير عادلة لا تتفق والدستور، ويأملون أن يحرك عملهم هذا الآخرين، لإصلاح مالا يتفق والعدالة. وأناس آخرون يعدون العصيان المدني مسألة اعتقاد فردي ديني أو أخلاقي. وهم يرفضون إطاعة القوانين التي يعتقدون أنها تنتهك مبادئهم الشخصية.

ومعظم منتهكي القانون يحاولون الهروب من العقاب. ومن ناحية أخرى فإن هؤلاء الذين يقومون بالعصيان المدني، مستعدون لتقبل عقابهم على مخالفتهم القانون، وبهذه الطريقة يظهرون اهتمامهم الشديد بالوضع الذي يحتجون عليه.

كثير من منتهكي القانون يستخدمون العنف، ولكن معظم أشكال العصيان المدني، لاتتم باستخدام العنف، وهي تختلف عادة عن الشغب، والإخلال بالأمن، وكذلك عن التمرد والأشكال الأخرى للاعتراض الشديد على القانون والسلطة.

هل يمكن تبرير العصيان المدني:

على مدار التاريخ كان الشائع عدم الموافقة على العصيان المدني في مجتمع يقوم على القانون والنظام. يدّعي بعض الناس أن المواطنين مضطرون إلى عدم إطاعة القوانين التي يعدونها غير عادلة مثل القوانين الخاصة بالتمييز العنصري. ويقولون إن مثل هذا الانتهاك للقانون يمكن أن يعد أفضل وسيلة لاختبار مدى دستورية القانون.

ويقول أناس آخرون إنه ليس من الصواب بتاتًا انتهاك قانون ما عن عمد، وحجتهم أن تحدي أي قانون عن عمد يقود إلى احتقار القوانين الأخرى، ويعتقدون أن أية حركة للعصيان المدني تضعف المجتمع، ويمكن أن تقود إلى العنف والفوضى.

يقر الكثير من الناس العصيان المدني في الحالات القصوى فقط، بشرط عدم استخدام العنف وحجتهم في ذلك ؛ أن الظلم يمكن معالجته بطريقة شرعية من خلال إجراءات ديمقراطية. فالانتخابات الحرة، تعطي الناس الفرصة لاختيار رؤسائهم والتعبير عن وجهة نظرهم. وكذلك فإن نصوصًا دستورية مختلفة تحمي الحق في الخلاف والاعتراض.

تاريخ العصيان المدني:

مارس الناس العصيان المدني على مدى مئات السنين ؛ ويقال إنه حينما أمرت الحكومة حواريي عيسى عليه السلام بإيقاف تعليمهم الناس، فأجابوا أن طاعة الله أفضل من طاعة البشر. وخلال القرن الثالث عشر الميلادي، أعلن رجل الدين النصراني توما الأكويني أنه يلزم الناس عصيان حكام الأرض حينما تتعارض قوانين الدولة مع قوانين الطبيعة أو الإله. وخلال القرن السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، عرفت بعض الطوائف الدينية بعصيانها المدني، وعلى سبيل المثال في المستعمرات الأصلية التي تشكلت منها أمريكا رفضت طائفة الكويكرز دفع الضرائب للأغراض العسكرية، وذلك لعدم موافقتهم على الحرب. وفي الخمسينيات من القرن التاسع عشر عصى أنصار مذهب إلغاء تجارة الرقيق في الولايات المتحدة الأمريكية قانون هروب العبيد، الذي كان يهدف إلى إلزام العبيد الهاربين بالعودة بالقوة.

استخدمت كثير من قيادات حركة حقوق المرأة العصيان المدني لإثارة الانتباه إلى مطالبهن. قادت إميلين بانكهيرست في بريطانيا خلال أوائل القرن العشرين النساء المناديات بمنح المرأة حق الاقتراع في حملة للحصول على حقوق انتخاب مساوية للرجل.

وكان الكاتب الأمريكي هنري ديفيد ثوريو واحدًا من أكثر المتحدثين تأثيرًا في الدفاع عن العصيان المدني. قضى في عام 1846م يومًا في السجن لرفضه دفع الضرائب، وكانت حجته أنه ليس له ولاء لحكومة تقبض على العبيد الهاربين، وتشن حربًا على المكسيك لتوسيع نطاق العبودية. وفي مقالته عن واجبات العصيان المدني (1849م)، أعلن أن على الناس رفض طاعة أي قانون يعتقدون بعدم عدالته.

كان لمقالة ثوريو هذه تأثير كبير على المهاتما غاندي في الهند. ففي عام 1906م قاد في جنوب إفريقيا معارضة سلمية دون استخدام العنف للتفرقة العنصرية ضد الآسيويين في ترانسفال. وبعد ذلك قاد الشعب الهندي في إضرابات ومسيرات احتجاج ومعارضة، لتحرير أنفسهم من الحكم البريطاني، فحصلوا على الاستقلال عام 1947م.

في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين قام مارتن لوثر كنج وآخرون من المشتغلين بالحقوق المدنية، بمخالفة عن عمد لقوانين الجنوب الخاصة بالفصل العنصري، وذلك كوسيلة لمحاربة التفرقة العنصرية. كما قام كثير من المعارضين لحرب فيتنام (1957 - 1975م) بأعمال غير قانونية، في محاولة لتغيير سياسة الولايات المتحدة الأمريكية.

رفض بعضهم دفع الضرائب، ورفض آخرون تسجيل أسمائهم في الخدمة العسكرية الإجبارية. وخلال الثمانينيات من القرن العشرين قامت احتجاجات دون استخدام العنف ضد سياسة الفصل العنصري لحكومة الأقلية البيضاء في جنوب إفريقيا.

المصدر: الموسوعة العربية العالمية